تسجل البرك المائية والسدود في ولاية تبسة كل موسم رقما مخيفا من الغرقى، أغلبهم من الأطفال والمراهقين، لعدة أسباب من بينها نقص الوعي وغياب مرافق الاستجمام، لكن حادثة أول أمس التي هلك فيها ثلاثة أشقاء من عائلة واحدة، لم تكن بين هذا وذاك، بل كانوا ضحية لجهل مواطنين وتغاضي السلطات المحلية عن خرق قانون ملكية المجموعة الوطنية للأودية.
أصبحت اليوم ظاهرة وضع حواجز ترابية من قبل سكان الأرياف لتحويل مسار الأودية وتشكيل برك لسقي المزروعات والماشية، ظاهرة منتشرة بكثرة في كافة ولايات الوطن خاصة ولاية تبسة الحدودية ، لتصبح بذلك الوديان فضاء لخرق قانون ملكية المجموعة الوطنية للوديان التي تعتبر ملكا للدولة، حتى ولو كان الوادي يعبر ملكية شخص معين، وهذا نظرا لما تشكله هذه الظاهرة من خطر حقيقي على المواطنين وهو ما وقفنا عليه في حادثة هلاك 3 أطفال من عائلة واحدة.
هلاك ثلاثة أشقاء بواد الزيات بعين الزرقاء
غلام عبد الرحمان 7 سنوات ، إسحاق 8 سنوات و محمـد الصالح المدعو ابراهيم 12 سنة ثلاثة إخوة من عائلة عيادي ، لقوا حتفهم غرقا نهاية الأسبوع الماضي ببركة مائية بالمكان المسمى واد الزيات ببلدية عين الزرقاء ولاية تبسة. الإخوة القاطنين بمكان ليس بعيد عن البركة، كانوا يرعون قطيعا صغيرا من الأغنام، قبل أن يقع أحد الإخوة في البركة ويحاول الثاني إنقاذه دون جدوى ليلتحق الأخ الثالث من أجل إنقاذ أخويه لكن شاء القدر أن يلقوا حتفهم جميعا.
هي مأساة هزّت قلوب كل من بلغ مسامعه فصولها، بعد أن انتشر خبر وفاة 3 أطفال في سن البراءة والذين كانوا قد توجهوا للعودة بقطيع الماعز والماشية مسافة كيلومتر من المسكن، غير أن قدر المنية كان أسبق ليلفظوا أنفاسهم الأخيرة في هذه البركة اللعينة.
الفقر والجهل يفرضان تشغيل الأطفال
لا تزال لغاية اليوم العائلات القاطنة بالأرياف تشغّل الأطفال أقل من 12 سنة انطلاقا من رعي الأغنام والمواشي، إلى مختلف أشكال الفلاحة، بشكل يحرمهم من الدراسة واللعب في سن لم تصل بعد إلى تحمل المسؤولية بسبب الفقر وظروف الحياة الصعبة التي أجبرتهم على ترك المدرسة ومساعدة أسرهم في تأمين لقمة العيش أو العمل مباشرة بعد اتمام يومهم الدراسي وذلك في أحسن الاحوال، وهو ما وقفنا عليه في حادثة “وادي الزيات بعين الزرقاء” التي كان الأشقاء الثلاث فيها يرعون الأغنام وهم في سن الـ 7، 8 و12 سنة فور رجوعهم من المدرسة.
حاجز ترابي يغيّر مجرى الواد ويتسبّب في هلاك الأطفال الثلاثة
وقفت “التنمية المحلية” على مكان تواجد البركة بواد الزيات ببلدية عين الزرقاء والتي كانت سببا رئيسيا في وفاة الأطفال الثلاثة، وبعد السير على الأقدام لمسافة 1.5 كلم، لأن الآليات الثقيلة تعجز عن الولوج إلى المنطقة بسبب وجود مسلك ريفي وحيد صخري خطير جدا ، خاصة مع تهاطل كميات جد معتبرة من المياه يوم الحادثة، ما يؤدي إلى الانزلاق في أي لحظة باتجاه الوادي وصولا إلى البركة التي تتواجد بين هضبتين، أرضيته صخرية وحاجز ترابي شكّله أحد المواطنين لغلق الوادي يستغله في شرب الماشية، أين قال أحد سكان المنطقة والذي كان يتحدث بصعوبة كبيرة، إنه “لو لا هذا الحاجز الترابي المشؤوم لما تشكلت هذه البركة ولم يمت الأولاد”.
الأم أول شاهد على الفاجعة!
أكّد شاهد عيان للتنمية المحلية، أنه عقب استقبال مكالمة من والد الضحايا يوم الحادثة للاطمئنان على الأطفال، هبّ مسرعا نحو الوادي أين وجد الأم في حالة هستيريا وبين يديها أحد الأطفال جثة هامدة، ليقفز هذا الأخير في البركة من أجل إخراج الطفل الثاني وهو على أمل أن يجده “حيا يرزق” لكن الأوحال بالبركة كانت الحركة فيها جد صعبة، حيث أخرج الطفل الثاني جثة هامدة بصعوبة كبيرة. وبعد التحاق الجيران ومجموعة من السكان لم يستطع هؤلاء اخراج الجثة الثالثة إلا بعد تحطيم جزء من الحاجز الترابي في محاولة لخفض منسوب المياه في الحفرة وهذا تزامنا ووصول الحماية المدنية التي جاءت بعد فوات الأوان، حسب الشهود. وهو اتهام مباشر من المواطنين للسلطات المعنية التي أهملت وبشكل واضح هذه المنطقة الريفية لم تتحصل على حقها من التنمية الكافية لحماية أهلها من مثل هذه الحوادث القاتلة، واهمال الجهات المعنية وتقاعسهم عن مراقبة الأودية وتغير مسارها من طرف السكان المجاورين لها.
انعدام مركز للحماية المدنية يضاعف من خطورة الوضع
كشف العديد من المواطنين الذين التقت بهم “التنمية المحلية”، أن بلدية عين الزرقاء المتواجدة على بعد 60 كلم عن دائرة الونزة، تحوي على مركز متقدم للحماية المدنية لم تنتهي به الأشغال المتوقفة منذ مدة طويلة، ل\اسباب مجهولة، وهو ما يعني أن الفرق المتدخلة في أي حادث تستغرق من ونزة إلى عين الزرقاء قرابة 40 دقيقة إلى ساعة، بينما وجود مركز للحماية بعين الزرقاء كان سيسرع في وصول الأفراد للتدخل، مما سيقلل حتما من عدد ضحايا مختلف الحوادث ، وأضاف هؤلاء أن ما زاد وضعية هذه الحادثة تعقيدا هو صعوبة تضاريس المنطقة التي تتفرع منها أودية ثانوية ورئيسية، ما فرض عزلة كبيرة على مواطنين يعيشون في منطقة ظل بامتياز.
من جهته، أكّد المدير الولائي للحماية المدنية محمد الصادق دروات، أن بلدية عين الزرقاء الحدودية استفادت من مشروع لمركز متقدم للحماية المدنية وصلت نسبة الأشغال بهإلى 70 بالمائة، في انتظار انتهائها خلال الأشهر القليلة القادمة، ودخوله حيز الخدمة بعد ان رصد له مبلغ مليار سنتيم في اطار المخطط البلدي .
غياب لمشاريع تنموية وللمجتمع المدني في الأرياف
تعتبر عين الزرقاء بمشاتيها وأريافها منطقة ظل بامتياز، منطقة متخلفة ومهمّشة ومعزولة، أو كما يقول سكانها “محقورة” من طرف السلطات المحلية، لانعدام المخططات التنموية بها، وهو ما يشهد عليه انعدام المسالك الريفية و الجسور والمنشآت الفنية التي تخلّص المنطقة من عزلتها المفروضة من فجر الاستقلال، دون أن تجد آذانا صاغية من مختلف المسؤولين المتعاقبين عليها.
من جهة أخرى يقتصر دور المجتمع المدني على المدينة فيما يغيب دوره في المناطق المائية والأرياف، وقد ناشد سكان المنطقة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من أجل تخصيص مشاريع تنموية وانجاز جسور تفك العزلة عن المنطقة مع ضرورة تطبيق القانون ضد المتورطين في غلق أو تغيير مجاري الأودية التي تعتبر ضمن المجموعة الوطنية.