التحديات التي تواجهها اقتصاديات الجماعات المحلية ونوعيتها، سواء في المستوى البلدي أو الولائي أو الجهوي، ضخمة متنوعة ومتعددة الأبعاد.
ضخمة من حيث أن مطالب المواطنين وتطلعاتهم، متزايدة بشكل مضطرد، بل وأحيانا متراكمة منذ سنين طويلة مما جعلها تتعمق وتتعقد وتزيد تكاليف معالجتها، وحاجتها لفسحة زمنية لتلبيتها. إن الأزمات الظرفية هي التي تفضح أحيانا كثيرة، قدرات الإدارات المحلية ومؤسساتها، مدرسية كانت أو صحية أو تجارية أو غيرها.
ولكن ينبغي عدم نسيان أن الأمر لا يتصل فقط بالمؤسسات المحلية، ونوعيتها وقدرتها على رفع التحديات التي تواجهها، بل متصلة أيضا بمناخ عام، اقتصادي ومالي وسياسي واجتماعي، وبتراجع عائدات البلاد المالية، ثمتراجع النشاط الاقتصادي بسبب الجائحة، ومعه تراجع الجباية الآتية بالخصوص من النشاط الاقتصادي، ومن قطاع الخدمات بوجه أخص.
ولهذا ولغيره، فإن طبيعة التحديات متنوعة، فهي زيادة على نوعية المؤسسات المتدهورة التي ورثتها البلاد قبل حراك 2019، وعن تراجع ريع المحروقات تراجعا حادا، وعن نمط الاستهلاك والطلب الذي نشأ أيام الوفرة لمالية العالية، وما تعمم أيامها من مظاهر فساد ومن تبذير، ومن محدودية الإرادة في وضع حد لتلك الوضعيات، كل ذلك خلف آثارا سلبية جدا على أداء جميع المؤسسات والإدارات على مختلف المستويات.
كما ينبغي التذكير أن مردودية الاستثمارات العمومية، محلية ووطنية، كانت محدودة في أحسن الأحوال، ولم توفر قدرات تكفل أفضل بالخدمات العمومية، وبإنجاز المشاريع العامة، وهذا فضلا عن طبيعة علاقة كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بالمواطنين والخطاب السياسي الاجتماعي، رسمي ومعارض، الذي لم يكن يوفر عوامل الثقة والتهدئة.
كل تلك المعطيات، نلمس اليوم مخلفاتها السلبية في تجسيد برامج التنمية المحلية التي أطلقها رئيس الجمهورية منذ انتخابه، وسبق تقييمها وتسجيل التأخر الكبير في الإنجاز من قبل رئيس الجمهورية، ومن قبل الوزير الأول في لقاء سابق للحكومة مع الولاة، وفسّر ذلك على أنه إما عجز وقصور أو أنه تقصير.
اليوم، تزداد الضغوط حدة، مع آثار جانحة كوفيد 19، ومع مستلزمات حماية الصحة العامة للمواطنين، وما يتطلبه أحيانا من توقيف نشاطات معينة أو الحد منها، وهو ما يحتم اليوم ضرورة الاستعداد لتوفير شروط انطلاقة جديدة، حال تم ضمان حماية جيدة للصحة العامة، خاصة مع تعميم اللقاح ووصوله نسبة تفوق 60 بالمائة –
لهذا فالتحديات متعددة الأبعاد، فهي تنظيمية وتشريعية وتسييرية، وهي أيضا سياسية وتمثيلية، ذلك أن العلاقة بين الإدارة والمواطنين وبين المنتخبين والمواطنين، وبين المنتخبين والإدارة، في حاجة لتحولات عميقة ولاستعادة ثقة اهتزت، وذلك ما يعول عليه في الانتخابات المحلية المقبلة.
إن إشراك المواطنين إشراكا واسعا، في تحديد الأهداف أولا وفي برمجة المشاريع ثانيا، فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار تطلعاتهم واحترام حقوقهم في خدمات نوعية تكون في مستوى ما يصرف من أموال عمومية عليها، هو أمر حيوي، لأنه يوفر عوامل فاعلة، في سرعة الإنجاز وفي نوعية الإنجاز، وفي حماية المال العام وضمان مردودية عالية لكل دينار يصرف .
كما أن إشراك المواطنين واستعادة الثقة والتغيير العميق للعلاقة بين كل سلطة والناس، سياسية كانت أو إدارية، يوفر شروطا ضرورية للحد من آثار مناورات جماعات المصالح وبقايا جماعات الفساد، وما سمي من قبل الكثيرين أثناء الحراك وبعده، «العصابات»، التي لا يخدم مصالحها كل تغيير وكل مشاركة فعلية منظمة ومنتظمة للمواطنين .
إن المنطق البيروقراطي الذي ساد زمنا طويلا ، لا ينبغي له أن يكون اليوم عائقا أمام مستلزمات مواجهة التحديات المتراكمة، لاسيما تحذي شرعية التمثيل وتحذي الكفاءة الأكيدة واللازمة لحسن التكفل بشؤون الناس وقضاياهم الجديدة، وتلك العالقة منذ زمن طويل .
كل تلك التحديات تحتم تجذدا سياسيا، وتحتم تحولا تشريعيا، وتحتم ثقة جديدة ومتجددة بين السلطة والمواطنين، وتحتم نوعية تمثيل أجود وكفاءة أعلى وأداء أرقى لكل النسيج الإداري والاقتصادي والمالي والاجتماعي.