2021 سنة رفع تحديات “التنمية ” بامتياز، اتخذت فيها قرارات “جريئة” لأول مرة منذ الاستقلال.
في سابقة بالجزائر، أخرجت التنمية الوزراء من مكاتبهم ليحطوا رحالهم في ولايات ومناطق “معزولة”، ويلامسوا عن قرب انشغالات المواطنين، وتُتخذ القرارات من هناك..
أعلن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، سبتمبر الماضي، على هامش لقاء حكومة-ولاة بقصر الأمم نادي الصنوبر، أن أول اجتماع للحكومة خارج العاصمة، سيكون بولاية خنشلة.
في اللقاء ذاته تحدث الرئيس تبون عن ولايات معزولة، منها ولاية خنشلة، وعن ضرورة وضع برنامج يعيد تنظيم التنمية في بعض الولايات.
وقرر وضع برنامج استدراكي بخنشلة، لأنها ولاية معزولة، تحتاج مرافق وإعادة الهيكلة، لتدارك اختلالات تنموية بين مختلف مناطق البلاد، وداخل اقليم الولاية نفسها.
للتذكير، فضلا عن أنها ولاية ذات طابع جبلي (36 بالمائة) وصحراوي (49 بالمائة)، ما يقلل من فرص ازدهار اقتصادي ويصعب من مهام النهوض بالولاية، تكبدت خنشلة خسائر جسيمة في ثروتها الغابية، التي تتربع على مساحة 1460 الف و303 هكتار، أي 15 بالمائة من المساحة الإجمالية للولاية.
رئة الأوراس عرفت بداية من شهر جويلية المنصرم حرائق مهولة بغابات عين ميمون بطامزة وشيلية وبوحمامة، تسببت في إتلاف أزيد من 8624 هكتارا من الثروة الغابية والأشجار المثمرة، وهي منطقة مشهورة بأشجار الأرز الأطلسي، والتفاح العالي الجودة.
خنشلة.. مقومات هامة واختلالات تنموية
تبلغ المساحة الاجمالية لولاية خنشلة 9715 كلم مربع، تضم 8 دوائر و21 بلدية، عدد سكانها 507 الف نسمة.
وكشف شريط وثائقي أعدته مصالح الولاية عشية اجتماع الحكومة، أن عجلة التنمية بالولاية تسير ببطء منذ الاستقلال رغم مقدرتها الاقتصادية والفلاحية والسياحية.
القرى والتجمعات السكانية في المناطق الريفية تفتقد لأدنى مظاهر التنمية، وهي مناطق “منسية” أشار إليها الرئيس تبون في لقائه مع الولاة.
يعيش سكان هذه المناطق “ما قبل عهد الاستقلال” -حسب تعبير رئيس الجمهورية- الذي دعا إلى ضرورة تحقيق عدالة تنموية اجتماعية بضمان عيش كريم لسكان الريف.
وبعد قرار الرئيس تحركت السلطات المحلية، وانتقلت إلى مناطق ظل الولاية لرصد احتياجات المواطن.
في تلك الخرجات، أُحصيت 318 منطقة ظل بمجموع 796 انشغال. وتعددت احتياجات المواطن من توفير مياه السقي وانجاز ابار ارتوازية للفلاحين، وفتح المسالك الوعرة، وانجاز شبكات كهرباء، وربط بغاز المدينة، واعادة الاعتبار لشبكات الصرف الصحي، وفتح قاعات علاج، وتهيئة عمرانية، وترميم طرقات، وبناء مدارس، وغيرها..
وأشارت مصالح الولاية إلى رصد غلاف 493 سنتيم، في سنتين، ممول من مختلف البرامج لتنمية الولاية، والتكفل بـ 337 عملية أولوية ذات أثر مباشر على المواطن.
وتحصي المدونة الاستثمارية العمومية برنامجا جاري انجازه بـ 1026 عملية تنموية، خصص لها 17 ألف و944 مليار سنتيم.
لكن تشير المصالح ذاتها إلى تجميد 116 عملية تنموية، رُصد لها غلاف 2000 و530 مليار سنتيم بسبب ترشيد النفقات العمومية، مما أثر على تعطل عجلة التنمية. مع العلم أن الولاية تملك مؤهلات فلاحية هامة تستقطب يد عاملة كبيرة.
غراسة التفاح مثلا بخنشلة، تسد الحاجيات المحلية والوطنية، وأضحى انجاز مصانع تحويلية للمنتوج ضرورة، لتثمين المنتجات وتشجيع الصناعات التحويلية الغذائية، واستحداث مناصب شغل.
ومن الانشغالات المرصودة بالولاية، رفع التجميد عن مشروع المحطة البخارية لحمام كنيف، الوحيد من نوعه افريقيا، واستئناف تهيئة مناطق التوسع السياحي لحمام الصالحين، لتنشيط قطاع السياحة بالمنطقة.
وعلى اعتبار النقل شريان الحياة الاقتصادية، عبّر سكان خنشلة عن أملهم في ربط الولاية بالطريق السيار لتنشيط الاقتصاد المحلي، وانجاز ازدواجية طريق تربط شمال الولاية بجنوبها، علاوة على الربط بالسكة الحديدية الوطنية لتسهيل تنقل البضائع والمسافرين. وهو وعد قطعه على نفسه الرئيس تبون، أثناء زيارته ولاية خنشلة في حملته الانتخابية.
من جهة أخرى، استدعت حرائق الغابات الصائفة الماضية أغلفة مالية اضافية لفتح المسالك وتوفير نقاط مياه تحسبا لأي طارئ وتجنبا لكوارث بيئية أخرى.
اجتماع يستجيب لنبض الشارع
وفي 12 ديسمبر، اجتمعت الحكومة بولاية خنشلة، لوضع خارطة طريق تنفيذا للبرنامج التكميلي للتنمية لفائدة هذه الولاية، الذي تمت المصادقة عليه، في اجتماع الوزراء المنعقد في الثالث أكتوبر 2021، حسب تعليمات رئيس الجمهورية.
وأسفر الاجتماع عن تحديد حافظة للمشاريع ضمن البرنامج التكميلي للتنمية الذي أقره رئيس الجمهورية، وتعبئة غلاف مالي بنحو 113.305 مليار دينار، موزع كالتالي:
تسجيل عمليات جديدة بغلاف 59 مليار دينار، بينما خُصّص لرفع التجميد عن عمليات مبلغ 52،76 مليار دينار، إلى جانب إعادة هيكلة برنامج السكن الجاري بمبلغ 1،54 مليار دينار.
واستفادت قطاعات الأشغال العمومية والنقل والموارد المائية والصناعة والصحة والسياحة، والفلاحة والغابات والثقافة، والبيئة، والطاقة والسكن والتجارة والشباب والرياضة من مشاريع واعدة، استجابة لأهم الانشغالات المعبر عنها أثناء الزيارات الميدانية للسلطات المحلية.
برنامج خاص حتى 2023
ويمتد تنفيذ هذا البرنامج إلى غاية سنة 2023، بواسطة أداة إنجاز وطنية، الأمر الكفيل بإنعاش الاقتصاد.
وتمت الموافقة على تمويل معظم المشاريع السالفة، نذكر من:
انجاز ازدواجية الطريق الوطني رقم 32 الذي يربط الـمحمل بأولاد رشاش على مسافة 18 كم.
إنجاز خط سكة حديدية بين خنشلة وعين البيضاء (ولاية أم البواقي) على مسافة 50 كم.
إنجاز وتجهيز محطة معالجة مياه الصرف الصحي بششار وبابار.
الموافقة على تهيئة مناطق التوسع السياحي لحمام الصالحين.. وغيرها
وفي إطار التثمين العاجل للاستثمارات العمومية المنجزة في هذه الولاية، كلّف الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، وزراء الداخلية والفلاحة والـموارد الـمائية بتأطير التسيير الجماعي للبنى التحتية للـمياه، التي تم إنجازها خاصة بالـمساحات الفلاحية، لفائدة 1.800 مستفيد.
سنة 2021 بدأت في خنشلة بشتاء بارد، على عهد مناطق الأوراس الجبلية، عانى فيه سكان الأرياف والقرى النائية من رحلة البحث عن قارورة غاز للتدفئة، تخللها، للمفارقة، صيف “ناري” على ايقاع حرائق التهمت الأخضر واليابس، واختتمت بمسحة أمل.. مع مشاريع واعدة، قد ترسم مستقبلا أفضل للمواطن الخنشلي.