تعد الإنتخابات المحلية الأخيرة محطة فارقة في مسار إعادة بناء المؤسسات، وتمكينها من بناء علاقة جديدة مع المواطنين ومع الإدارة ومع المجتمع المدني.
هذه العلاقة تضررت كثيرا خلال عشرية ما قبل الحراك، بل صارت عائقا كبيرا أمام السلطات العمومية، وما تبرمج إنجازه من مشاريع، وما تعمل على تجسيده من عوامل بناء الجزائر الجديدة».
حاجيات الجزائريين معلومة، حتى وإن لم توفق التقارير والأرقام في ترجمتها بشكل كامل وحقيقي، وأساسها التعليم والضحة والعمل. والتكفل بها هو من وظائف الدولة الأساسية، خاصة أن الدولة الجزائرية كانت وما زالت وستبقى دولة اجتماعية، أي في خدمة الأغلبية الساحقة من المواطنين .
إن أقرب طريق للتكفل بحاجيات المواطنين هو استعادة ثقتهم في الإدارة وفي السلطة العمومية، وهو ترقية الإدارة المحلية ومرافقها وخدماتها وترقية الاستثمار المحلي، وإنجاز المشاريع في آجالها وبنوعية عالية.
ينبغي القول إن الإمكانيات التي سخرت للتنمية المحلية كبيرة، وأحيانا كانت كبيرة جدا، غير أن العوائق كانت هي الأخرى كبيرة، ولعل أهمها تدهور المناخ السياسي وعلاقة الناس بالأحزاب وبالسلطات المحلية، وتدهور مناخ الأعمال اللذيـن سـادا لأكثر من ثلاث عشريات.
ويمكن أن يضاف لهذا ما تعرضت له المؤسسات من تدهور، نذكر منها بالخصوص الإدارات العمومية والخدمات العامة التي تقدمها للناس والرقابة ومظاهر كثيرة للفساد، وتدهور قيمة العمل تدهورا خطيرا، واستباحة المؤسسات العمومية والتنازل عن بعضها من دون فوائد اقتصادية تذكر.
هذه العوامل وغيرها تسببت في إعاقات متنوعة للمرفق العمومي، وضربت الثقة فيه لدى المواطنين. لتلك الأسباب وغيرها تدهورت القدرة على استيعاب الاستثمارات، وتدهورت القدرة على إدارتها، وتدهورت قدرات الإنجاز في بعض القطاعات والمجالات، وتدهور المناخ العام، لاسيما مستوى احترام القانون، حيث توسع مجال اللاقانون، وكبرت قدرة البعض على الإفلات من الرقابة ومن العقاب، وتدهورت الأخلاق العامة وتدهورت هبة السلطة العمومية والمرفق العام.
قبل الحراك تعقدت الكثير من الوضعيات، من جهة هناك تراجع عائدات البلاد تراجعا حادا في وقت يزيد الطلب الاجتماعي على كل شيء تزايدا مضطردا، ونوعية المؤسسات والإدارات تراجعت كثيرا، وهناك ضغوط جديدة أضيفت تمثلت في الحائجة الصحية التي ضربت العالم كله، وخلفت آثارا عميقة على النشاط الإقتصادي في مجالات متعددة، لاسيما قطاع الخدمات ثم عددا من قطاعات النشاط الصناعي، خاصة التي تعتمد على استيراد الكثير من المواد في إنتاجها.
اليوم تحسن المناخ السياسي كثيرا، بعد الحرب التي شنت من قبل السلطات العمومية على الفساد، والمناخ الصحي تحسن هو الآخر ولكن لا يمكن الحديث حتى الآن عن نهاية للجائحة ولآثارها داخليا وخارجيا، ومداخيل البلاد حتى إن لم تتحسن كثيرا فهي ليست متراجعة كما كانت منذ 2014، وآليات العمل والتسيير تحسنت هي الأخرى لكنها ما زالت تعاني من ضغوط متنوعة تتسبب فيها مناورات قوى الركود والجمود وقوى المصالح، لاسيما غير الشرعية.
إن مستلزمات الإنعاش الإقتصادي ينبغي أن تتحسن، خاصة في المستوى المحلي. والأمل كبير في أن تبرز نخبة مختلفة من الإنتخابات الأخيرة، وتتمكن من استخدام المناخ الجديد، القانوني منه والنفسي لدى المواطنين ، للمبادرة بوضع آليات عمل جديدة وترقية الإدارات العمومية، وتحسين قدرة المؤسسات الوطنية والمحلية على الاستثمار، وفرض احترام القانون لاستعادة الثقة الشعبية وضمان مشاركة واسعة، هي ضرورية للمضي في التغيير إلى غاياته كاملة، أي «جزائر جديدة، بمؤسسات جديدة وبثقة منتزعة باستحقاق وبأداء عالي، وفي النهاية تلبية الطلب الاجتماعي على تنوعه أو الإقناع بأن العوائق التي تمنع تلبيته موضوعية، وأن الأموال العمومية محمية، ولا تتعرض لأي نهب أو تبذير.
الديناميكية بدأت وينبغي أن تتسع وتكبر وتشمل كل شيء، الإرادة الوطنية قوية ومع ذلك هي في حاجة لتجنيد أكبر قدر من الذكاء، وتجنيد أكبر قدر من الإرادات والكفاءات القادرة على حمل المشروع الجديد. إن المشروع الوطني النوفمبري في حاجة ماسة اليوم لهذه الإرادة، وفي حاجة لكل الذكاء وكل الكفاءة المتوفرة لكي يحقق الغايات التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء، وناضل من أجلها ملايين الجزائريين.