تأتي مفاهيم الزّمكانية أي Spacetime في الفكر الحديث لدى علماء الفيزياء، بالمزج بين مفهومي الزّمان والمكان في نظريّة النسبيّة الخاصّة، أي الانتقال من معلمٍ ديكارتيّ ثلاثي الأبعاد نحو معلم ذي أربعة أبعاد، والزّمن رابعه، أي معلمٍ يحمل في نطاقه كلّ الأجسام والأحداث ويُفسّر ويُصوّر حركتها ووقوعها.
تُحاول الأذهان الآن ربط الزّمكانية بالنموّ، فالمُعتاد في تصنيفات الفكر الاقتصادي النموّ الموسّع والنموّ المتوازن وغير المتوازن…، وقد تُسجّل المؤشّرات السلبيّة مع حدوث الأزمة وتُبرَّر تلك النّتائج بالأزمة ذاتها ويتكرّر السّيناريو !
ويُتصوّر لدى أيّ طرف الحلول لتجاوزها، ولكن لما لا يتصوّرها قبل الأزمة ذاتها، فباليقظة نتصوّرها بمعلم رباعيّ زمكانيّ ليضمن النموّ بالرّغم من أيّة أزمة، بل ويتمّ هزمها. فالنّمو جوهر عمليّة التّنمية الاقتصاديّة، بالزّيادة في النّاتج الكلّي الذّي يتحقّق في مجتمع ما عبر الزّمن، ويُترجم بالمعدّلات السّنوية للنّاتج المحلّي الإجمالي الحقيقي، وقد تكثر الاجتهادات لقياسه ولكن المهمّ رفع مستوى المعيشة، والزّيادة في الكميّة الحقيقيّة للسّلع والخدمات، فاليقظة بمختلف المخطّطات لإكساب المجتمع القدرة على التّطوير الذّاتي المستمرّ، بمعدّل يضمن التّحسين المتزايد في نوعيّة الحياة لكلّ أفراده، ويكفل التّرشيد المستمرّ لاستغلال الموارد الاقتصاديّة المتاحة، وحسن توزيع عوائد الاستغلال.
واليقظة لنموّ الحقول المعرفيّة من أجل رفع مستوى الثّقافة في المجتمع وترقية البشريّة، فبالبرامج المعرفيّة الزّمكانية يُحقّق المبتغى بالرّغم من أيّ عائق.
فاليقظة بتعزيز نموّ الوعي المدني لدى الفرد، بالسّعي نحو رفع مشاركته في الحياة العامّة وتمثيله وطنيّا ومحلّيا في ظلّ المنافسة الرّاقية، من أجل ترسيخ مفاهيم الوطنيّة مهما كانت الأزمة.
واليقظة بنموّ زمكانيّ يُعلِن سيرورة شاملة اقتصاديّة؛ اجتماعيّة وحتّى بيئيّة، تهدف إلى تحقيق تقدّم مستمّر في حياة جميع البشريّة ورفاهيّتهم، والتّغلب على أيّة أزمة بمساهمة جميع الأفراد، بشكل فعّال وأكثر شموليّة، تسود فيها عمليّة توسيع القدرات والانتفاع بها.
فاليقظة بالاستدامة البيئيّة، لاستخدام الموارد الطّبيعيّة بطريقةٍ تضمن المحافظة على خصائصها الرّئيسيّة في الأمد البعيد، أي اليقظة بتوظيف تقنيات وتكنولوجيّات نظيفة تتحكّم في أساليب الإنتاج والاستهلاك، وتكييفها مع أيّة مخاطر بيئيّة، بمعنى اختيار العرض الأفضل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبيئيّة معًا، على حساب الطّلبالمُفرِط وبل كبحه من أجل استدامة الخصائص البيئيّة.
واليقظة بتكثيف ورشات التَمرُّن والتّدريب على التّخطيط؛ للوعي بهذه الأدوار مُستقبلاً، لاستقراءٍ سريع لأيّة حادثة أو أزمة، يُستخلص بواسطة وقائعها الفعليّة؛ القوانين التّي تحكم أي ظاهرة تُطرح للدّراسة.
فاليقظة لأيّ تراشق بالأفكار يحمل في طيّه معلومات؛ آراءٍ وانطباعات، من شأنها أن تزيد من ثراء رصيد مختلف المحاولات لليقين بأيّة أزمة تُعيق مسيرة النمّو، وبالتّالي اليقظة لنَمْذَجة هذه الأفكار بمخطّطات زمكانيّة لائقة، للاستفادة منها وعدم تفويتها.
إنّ العالم يتغيّر ويجب إدراكه باليقظة، لترميز وعنونة إحداثيّات مواكبة التطوّر بمفاهيم واسعة الأبعاد، تضمن نموّ زمكانيّ بجوانبه الكميّة والنّوعية بالرّغم من أيّة أزمة، … فاليقظةُ اليقظة، من أجل بلوغ « النّموذج الذّي نصبوا إليه».
أحمد توفيق العلوي