عادت تظاهرة عيد العنب في طبعتها الرابعة بولاية بومرداس لتجمع منتجي هذه الشّعبة مجدّدا بعد غياب لفترة زمنية بسبب الجائحة، وتعود معها انشغالات المهنيّين المتجدّدة أيضا نتيجة استمرار نفس المطالب بضرورة مرافقة الناشطين في الميدان لترقية الانتاج، والبحث عن قنوات لتسويق المنتوج وتصديره، واستغلال الفائض في مجال الصناعات الغذائية والتحويلية التي تبقى طموح الفلاحين.
بمشاركة أزيد من 90 عارضا ومنتجا يمثّلون عدة بلديات رائدة في الشعبة، تزيّنت السّاحة المقابلة لمديرية المصالح الفلاحية بولاية بومرداس بأجود أنواع العنب التي تشتهر بها المنطقة وبوأتها مكانة وطنية متقدمة بنسبة تصل إلى حوالي 50 بالمائة، على رأسها نوعية «صابال» التي تسيطر على أغلب المساحة المغروسة بنسبة 30 بالمائة، أي بأزيد من 17 ألف هكتار من مجموع المساحة الصالحة للزراعة المقدرة بـ 63 ألف هكتار.
إضافة إلى نوعية «راد قلوب» حديثة الاستغلال لكنها بدأت تتوسّع لتنافس نوعية «صابال» بنسبة 18 بالمائة و»فكتوريا» كذلك، الى جانب بعض الأنواع التقليدية التي تشتهر بها المائدة الجزائرية كنوعية «موسكا»، «أحمر بوعمر» «داتي»، وغيرها من الأنواع التي لا تزال حاضرة رغم تراجع إنتاجها مقارنة مع النوعية التجارية، فيما شهد المعرض غياب نوعية «كاردينال»، وهو منتوج مبكر لكنه يسيطر على مساحة معتبرة بنسبة 19 بالمائة.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي أظهره المنتجون في الصالون، وكذا مدير المصالح الفلاحية بتحقيق كمية إنتاج معتبرة قد تصل الى سقف 3 ملايين قنطار خلال هذا الموسم بسبب الوفرة وتوسع المساحة المغروسة، إلا أن نفس الانشغالات السابقة لا تزال تعترض ترقية النشاط وتثمينه اقتصاديا نظرا لغياب وحدات في الصناعات التحويلية والغذائية بإمكانها استغلال الفائض أو النوعية الثانية والثالثة التي ترمى تقريبا في الأسواق وبأسعار رمزية، وبالتالي حماية المنتج وتشجيعه على ضوء ارتفاع تكاليف الأدوية التي تستعمل في المعالجة، وحفظ المحاصيل بسبب كثرة الأمراض التي تفتك سنويا بعشرات الهكتارات، منها «الميليديو» الذي سبب خسائر كبيرة للفلاحين هذه السنة.
جدلية وفرة الانتاج وارتفاع الأسعار
بين تفاؤل مديرية المصالح الفلاحية بتحقيق موسم ناجح من حيث المردودية في شعبة عنب المائدة، واستمرار نفس الانشغالات والمطالب من قبل المنتجين أو لنقل نفس العارضين الذين استفاد أغلبهم من عملية الدعم الفلاحي والمرافقة، يبقى المواطن في مواجهة الأسعار المرتفعة في الأسواق والمحلات التي لا تتناسب إطلاقا مع هذه الوضعية التي جعلت من بومرداس الولاية الأولى وطنيا في إنتاج عنب المائدة، حسب بعض التعليقات التي جمعتها الشعب.
وفي إطلالة سريعة لأسعار مادة العنب محليا، لاحظنا أنّ وفرة الانتاج لهذا الموسم وتوسع النشاط لم ينعكس إيجابا على سعر أسواق التجزئة، حيث تبقى نوعية «راد قلوب» و»موسكا» بعيدة عن متناول أغلب العائلات بسعر لا يقل في المعدل عن 250 دينار الى 300 دينار مقابل 150 دينار بالنسبة لنوعية صابال.
فيما يعاني الفلاح أو المنتج من ظاهرة السمسرة بأسواق الجملة على مستوى بلدية خميس الخشنة أو ولاية تيزي وزو، وحتى بعض الفضاءات الفوضوية المفتوحة أمام المنتجين وبخصوص البلديات الشرقية التي تهيمن على الشعبة، ومنها سوق بلدية يسر الذي يستقبل النوعية المتوسطة، حيث يسوق أحيانا بأقل من 50 دينارا للكلغ حسب ما كشف عنه بعض الفلاحين، الذين أكّدوا لـ «الشعب» عن أزمة التسويق.
ورغم أهمية مثل هذه الفضاءات والمعارض في التعريف بالمنتوج الفلاحي الوطني الذي تزخر به ولاية بومرداس خصوصا في شعبة عنب المائدة، الخضروات، زيت الزيتون وغيرها، والمساهمة في طرح انشغالات الفلاحين، يبقى السؤال الأبرز الذي يردد من قبل العارضين في كل مناسبة هو النتيجة النهائية ومدى تحقيق الأهداف المسطرة من قبل المنظمين لترقية مختلف الشعب المنتجة.
ويستساءل هؤلاء أيضا عن مصير مطالب مهنيي الشعبة في دعم وتسهيل قنوات التصدير وإنشاء سوق للجملة خاص بهذا المنتوج للتحكم في السعر وحماية المنتجين، الذين يضطرون أحيانا للتخلي عن سلعهم أو تسويقها بأسعار زهيدة نظرا لوفرة وحساسية المنتوج الذي لا يقاوم الظروف ولا يمكن حفظه خارج مراكز التبريد، وبالتالي تضيع كل مجهودات الفلاحين الذين بادروا لإنشاء حواجز مائية لحماية محصولهم من التقلبات الجوية وحرارة الصيف واستصلاح مساحات جديدة ككل سنة تصل إلى 500 هكتار، فيما تتواصل ظاهرة المضاربة والمضاربين الذين يتحكمون في سلسلة التوزيع وامتصاص جهود الفلاحين وجيوب المواطنين.