تغطي مساحات شاسعة من غابات الأرز الأطلسي ولاية خنشلة أو ما يعرف بشجرة السادر “le cèdre d’atlas” النادر عالميا.
أرز متعدد الفوائد والقيم، تقدّر مساحته بـ 11 ألف هكتار مقسمة على كتلتين حراجيتين أي غابيتين، تمتاز بخصائص نادرة وفوائد متنوعة في مجالات السياحة، الاقتصاد، البيئة، الطب والصيدلة وغيرها من الفوائد التي تؤهّلها بامتياز لتشكّل حظيرة وطنية محمية.
“التنمية المحلية” سلّطت الضوء على ملف تصنيف هذه الثروة الهامة التي تتطلّب مؤسسة إدارية قائمة بذاتها لحمايتها واستغلالها وتثمينها في مختلف المجالات.
كشف رئيس مصلحة تسيير الثروات والدراسات والبرامج بمحافظة الغابات لولاية خنشلة جزءاً من الدراسة المعدة للتصنيف والمصادق عليها من طرف اللجنة الوطنية للمجالات المحمية.
وحسب الدراسة، تقع الكتلة الحراجية الأولى الأرز الأطلسي والمقدرة مساحتها بـ 7000 هكتار، وهو ما أكده لنا قادة هشام رئيس مكتب الدراسات والبرامج بمحافظة الغابات، غرب ولاية خنشلة بإقليم بلديات، شليا، بوحمامة، يابوس وتاوزيانت وتسمى بغابة أولاد اوجانة.
أما الكتلة الثانية فتقع بالجنوب الغربي للولاية بإقليم بلدية طامزة على مساحة 4000 هكتار، وتسمى غابة الدولة أولاد يعقوب، تم اقتراحها للتصنيف كحظيرة وطنية محمية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري مرتين خلال سنتي 2010 و2014، إلا أنها لم تصنف حينها بسبب عدم تنصيب اللجنة الوطنية للمجالات المحمية.
وفي سنة 2018 تم تنصيب اللجنة المذكورة، ليتم تحيين الدراسة المعدة وفقا للقوانين الجديدة في هذا المجال وإعادة تقديمها وعرضها على اللجنة، توّجت في الأخير بالمصادقة عليها منتصف السنة الجارية، على أمل أن يتم إصدار التصنيف في الجريدة الرسمية لترسّم عملية التصنيف قانونا، ومنها تنطلق عملية تنفيذ إنشاء هذه الحظيرة الوطنية المستقبلية.
وتتضمن دراسة التصنيف حسب رئيس مصلحة تسيير الثروات والدراسات والبرامج، تحديد المساحة الإجمالية للحظيرة المقترحة للتصنيف وهي 32609 هكتار محددة طبيعيا وليس إداريا تشمل غابات الأرز ومساحات الوسط الايكولوجي لهذا الصنف، مقسمة بين 05 بلديات بولاية خنشلة وبلديتين بولاية باتنة على النحو التالي: بلدية طامزة 14878 هكتار تمثل 46 بالمائة من المساحة الجمالية المذكورة، بلدية يابوس7207 هكتار 22 بالمائة، بلدية شليا 4583 هكتار 14 بالمائة، بلدية بوحمامة 4252 هكتار 13 بالمائة وبلدية تاوزيانت 1025 هكتار 03 بالمائة، إلى جانب المساحة الواقعة بحدود ولاية باتنة ببلدية اينوغيسن 590 هكتار وبلدية ايشمول 74 هكتار أي بمجموع 664 هكتار 02 بالمائة من المساحة الإجمالية للحظيرة.
تمتد فوائد شجرة الأرز وغاباتها إلى عدة مجالات سياحية، اقتصادية، طبية، ايكولوجيا وعلمية متشعّبة تجعل منها ثروة حقيقية جديرة بالاهتمام والعمل على استغلالها، حيث تعتبر شجرة الأرز موروثا طبيعيا ثقافيا تغنى به الأجداد عبر الأزمنة الغابرة ويشكل مأوى ايكولوجيا للطيور والحيوانات والنباتات، ومكانا للأبحاث والتجارب العلمية للطلبة والأساتذة، يساهم بيئيا في الحفاظ على تثبيت التربة إلى جانب طبعا امتصاص ثاني أكسيد الكربون وطرح الأكسجين.
أصناف نباتية نادرة
تستند الدراسة المعدّة للتصنيف إلى تنوع الأصناف النباتية والحيوانية الموجودة بغابات الأرز الأطلسي “شليا وأولاد يعقوب” من جهة، وندرتها ومميزاتها المحلية كأنواع موجودة حصريا في الاوراس من جهة ثانية، حيث أبرزت الدراسة وجود 58 صنفا نباتيا محليا ما يمثل 12.39 بالمائة من الأنواع المحصية، 174 نوع نادر 38 بالمائة، إلى جانب 12 نوعا نباتيا محميا بالقانون رقم 83-03 المؤرخ في 05 فيفري 1983 المتعلق بحماية البيئة.
وأشارات الدراسة إلى مميزات غابات الأرز في مجال الطب والصيدلة، حيث تحتوى على 61 نوعا تمثل 13 بالمائة من نباتات الحظيرة ما يجعلها حقولا مهمة للبحث والاستفادة في هاذين المجالين المهمين، إلى جانب الأصناف الحيوانية المتمثلة في الطيور 115 نوع، الزواحف41 نوعا، الثدييات 33 نوعا، البرمائيات 04 أنواع.
تطبيقا للقانون رقم 11-02 المؤرخ في 14 ربيع الأول عام 1432 الموافق لـ 17 فيفري 2011 المتعلق بالمجالات المحمية في إطار التنمية المستدامة، الحظيرة المستقبلية ستكون مقسمة إلى 03 مناطق، المنطقة المركزية تغطي مساحة 365 هكتار، وهي منطقة تحتوى على أصناف حية فريدة خاصة بمنطقة الاوراس لا يسمح فيها إلا بالأنشطة المتعلقة بالبحث العلمي، ويكون الدخول إليها مقنّنا ولفئات معينة.
المنطقة الفاصلة بمساحة 6229 هكتار تحتوي موقعين: موقع “تخيزرانت” 2371 هكتار يقع بغرب محيط الحظيرة، وموقع “كاف احمور” جبال الاوود، أورس وتارزوت 3858 هكتار.
والمنطقة الفاصلة تحيط بالمنطقة المركزية أو تجاورها وتستعمل من اجل أعمال إيكولوجية حية، بما فيها التربية البيئية والتسلية والسياحة الايكولوجية والبحث التطبيقي والأساسي، وهي مفتوحة أمام الجمهور في شكل زيارات اكتشاف للطبيعة برفقة دليل، ولا يسمح بأي تغيير أو بأي عمل من شأنه إحداث إخلال بتوازن المنطقة.
أما المنطقة الثالثة فتسمى منطقة العبور، تحيط بالمنطقة الفاصلة وتحمي المنطقتين الأوليتين، وتستخدم مكانا لكل أعمال التنمية البيئية للمنطقة المعنية، ويرخص فيها بأنشطة الترفيه والراحة والتسلية والسياحة، وتم تقسيمها إلى عدة مواقع بالكتلتين الغابيتين شليا وأولاد يعقوب، تتربع على مساحة 19932 هكتار.
وحسب رئيس المصلحة المذكورة الذي سهر على تحيين دراسة التصنيف وعمل رفقة عدة إطارات بالمحافظة على إبراز مقومات هذه الثروة أمام اللجنة المختصة، فإن أهمية وضرورة تصنيف غابات الأرز تكمن في قيمته متعددة الجوانب، واعتباره اكبر كتلة غابية للأرز بالجزائر وآخر حاجز طبيعي بين الشمال والجنوب ضد التصحر بما يدعو إلى الاهتمام به وتثمينه واستغلاله الاستغلال الأمثل، مشيرا إلى أن ذلك لا يتأتى إلا من خلال تصنيفه كحظيرة وطنية محمية مستقلة من الناحية الإدارية وبميزانية خاصة وشخصية معنوية.
تهديدات دائمة
أمام ظاهرة تهريب خشب السادر، تقوم محافظة الغابات على مدار السنة بنشر أعوانها من خلال دوريات مراقبة عبر الكتلتين الغابيتين المذكورتين للتصدي لمجرمي الغابة والتبليغ عنهم ومعاقبتهم من جهة، وتعمل من خلال إنشاء دوريات مختلطة مع مصالح الدرك الوطني في إطار اتفاقية التعاون بين قيادة الدرك الوطني والمديرية العامة للغابات المتعلقة بحماية الأملاك الغابية الوطنية الموقعة سنة 2014، والتي تعد جد ايجابية من حيث النتائج المحققة في التصدي وإنهاك عصابات المهربين، إلا أن أعوان الغابات تعترضهم عقبات كثيرة خلال عمليات التصدي للمهربين وخطورتها في الكثير من الأحيان على حياتهم داخل الغابة كونهم غير مسلحين، وكذا اتخاذ عصابات التهريب لكل الطرق من أجل شل عمل هؤلاء الأعوان، وسرقة أكبر كمية ممكنة من خشب الأرز الذي يعاد بيعه كمادة نصف مصنعة بأثمان باهظة أو يتم صناعة القصع منه بسهولة لسماكة جذعه، وبيعها بأثمان تتجاوز 20 ألف دينار للقصعة الواحدة لنوعية الخشب الجيدة والصلبة ومميزاتها الجمالية.
كما تكمن صعوبة القيام بهذه المهام في شساعة مساحة الغابات وتنوعها، إذ تصنف ولاية خنشلة من حيث الغطاء الغابي بالجزائر، من بين المراتب الأولى وطنيا، حيث تقدر المساحة الغابية بها بـ 146303 هكتار تتنوع إلى عدة أصناف، الصنوبر الحلبي، البلوط الأخضر، الأرز الأطلسي، العرعار، العرعار الفينيقي، الشربين وأصناف حراجية أخرى، وهو ما صعب ويصعب مهام هؤلاء ويدعو إلى ضرورة جعل “السادر” حظيرة وطنية محمية مستقلة بما يمكن من الاهتمام بها، تثمينها والمحافظة عليها بشكل خاص.
رمز اللّبنانيّين
تشكّل ثروة شجر الأرز بولاية خنشلة مقومات سياحية نادرة نظرا لجماليتها وشساعة مساحتها وامتيازاتها الساحرة، ووجود ثاني أعلى قمة جبلية بالجزائر “قمة رأس كلثوم” 2328 متر، من شأنها إن استغلت بالقدر المناسب وتضافر الجهود أن تشكل قبلة سياحية وطنية ولم لا دولية؟ وهي الشجرة التي جعلت منها دولة لبنان الشقيق رمزا للبلد بوضع صورتها بالعلم الوطني والتغني به في النشيد الوطني بعبارة تعظيمية “مجده أرزه رمزه للخلود”، وجعلت من غاباته قبلة سياحية ذات شهرة دولية بانجاز الفنادق والمطاعم، وغيرها من الاستثمارات السياحية التي تدر مداخيل اقتصادية عالية على مدار السنة يقصدها السائح شتاءً للتزلج وصيفا هروبا من الحر.
ويأمل سكان ولاية خنشلة أن يحظى اقتراح محافظة الغابات للولاية القاضي بتصنيف غابات الأرز كحظيرة وطنية محمية، بالاهتمام الكافي من طرف السلطات المركزية ويتوّج بالخطوة الأخيرة من إجراءات التصنيف، وهو صدور هذا الأمر في الجريدة الرسمية، بما سيجعل من هذه الغابات مساحات مؤطرة للسياحة من طرف إدارة مستقلة ماليا ومعنويا تضطلع بالحماية والاستثمار للأرز، وبالتالي تحريك العجلة الاقتصادية وخلق مناصب الشغل لفائدة شباب مناطق السادر، الذين يعانون من فقر وبطالة، كما أن عديد المهتمين بهذا الشأن بالولاية يتوقون لجعل هذه الثروة مصدر اهتمام لقطاعات السياحة، التعليم العالي،الجماعات المحلية والصحة وغيرها.
الأرز الأطلسي
تتواجد شجرة الأرز الأطلسي حصريا في دول شمال إفريقيا بتونس وبجبال الأطلس في الجزائر والمغرب منذ آلاف السنين، وهي شجرة متوسطة الحجم دائمة الخضرة تنحدر من الفصيلة الصنوبرية، يتراوح طولها بين 30 و40 مترا وقطر جذعها بين 1.5 إلى مترين، خضراء اللون مشابهة كثيرا للأرز اللبناني، تنمو على ارتفاع 1000 إلى 2200 متر من البحر المتوسط، وتملك خاصية فريدة للدفاع الذاتي ومقاومة الأمراض، ما جعلها من الأشجار العتيقة والمعمّرة.
[…] وهي تتضمن محميات وطنية بها انواع نباتية نادرة (مثل شجرة الأرز الأطلسي و هي الوحيدة في القارة ) وانواع حيوانية نادرة كاللقلق […]