وضعت الميزانية المالية الضّعيفة والمداخيل المحدودة بعض رؤساء البلديات في حرج كبير من أمرهم أمام مواطنيهم، لعجزهم عن تجسيد برامج تنموية كانوا وعدوهم بها خلال الحملات الانتخابية.
هذا لم يجعلهم يتحرّكون لتغيير طرق تسيير البلدية والتخلص من الرّوح الاتّكالية، وتبنّي مبادرات جادّة تسمح بخلق ثروة ومصدر آخر لتدعيم الخزينة وتمويل المشاريع التنموية، لاسيما وأنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حثّهم وحثّ الولاّة على ضرورة تحسين الظّروف المعيشية للسكان بمختلف البلديات، وأوصى، منذ ما يقارب السنة، بضرورة وضع “مخطّط مدمج للتّنمية المحلية، يكون بمثابة مخطّط استراتيجي للتّنمية على المديين القريب والمتوسّط، تنبثق منه البرامج السّنوية للتنمية على المستوى المحلي”.
فلماذا تغيب مبادرات رؤساء البلديات لخلق الثّروة والرفع من مقدار الميزانية المالية؟ وهل فعلا غياب العقار والدعم المالي من الدولة وقانون البلديات، مثلما يؤكّد لمجلة “التنمية المحلية” بعض رؤساء البلديات، سبب عزوفهم عن تغيير طرق تسيير شؤون البلديات وفشلهم في خلق الثّروات؟
تحوّلت الميزانية المالية الضّعيفة لبعض البلديات إلى معضلة حقيقية وحاجزا حقيقيا، يقف حجر عثرة أمام تجسيد برامجهم التنموية، حتى أنّها باتت غير قادرة على تغطية رواتب العمال، مثلما يؤكّد بعض رؤساء البلديات لمجلة “التنمية المحلية”. فهل ممكن أن يخلق رئيس بلدية ثروة تساعده على الرفع من مداخيل بلديته في ظل غياب الشّروط الأساسية المساعدة على إنجاح مبادراتهم كما قالوا، وذلك على غرار العقار والدّعم المالي؟ أم أنّ الأمر صعب جدا ومستحيل تجسيده على أرض الواقع حتى بتوفّر هذه الشّروط؟ ومتى يبتعد رؤساء البلديات عن عقلية الاتّكال على الحكومة لدفع عجلة التّنمية؟
توفير العقار يساعد على خلق الثّروة
يجمع بعض رؤساء البلديات في حديثهم لمجلة “التنمية المحلية”، على الصّعوبة الكبيرة في خلق ثروة تكون مصدرا آخر للرفع من مداخيل خزينتهم، وذلك بسبب عدّة عوامل وشروط مهمّة وضرورية، على غرار غياب العقار، المورد المالي والقانون الذي يحمي البلدية ويسهّل لها الإجراءات الإدارية، مبرزين ضرورة توفيرها لمساعدتهم على تسيير الشّؤون المالية لبلديتهم، ودفع عجلة التّنمية وإخراج السكان من الغبن لاسيما منهم سكان مناطق الظل.
يربط رئيس بلدية الولجة بخنشلة، جمال طريفي، نجاح خلق البلديات للثّروة ومداخيل جديدة تدعّم خزينة البلدية وتساعد على دفع عجلة التنمية، بعدّة عوامل، في مقدّمتها الاستفادة من الدّعم المالي وتوفير العقار، ووضع قانون يؤطّر عملية الاستثمار وخلق الثّروات. وفي السياق يقول رئيس البلدية لمجلة “التنمية المحلية”: “صعب جدّا أن تجسّد مشروعا استثماريا يسمح لنا بخلق ثروة تضاف لخزينة البلدية، وتقدّم لنا يد العون لتجسيد مشاريعنا التّنموية والقضاء على مشاكل السكان، فأعتقد أنّ ذلك يستوجب علينا توفير العقار والحصول على الدعم المالي، فضلا عن ضرورة تمتّع المؤسّسة النّاشطة بالبلدية بالاستقلالية حتى نستطيع أن نتعامل معها، ونستنفع منها بالمناصب للشباب البطال والضّرائب، إضافة إلى وجوب وضع قانون أساسي، يؤطّر ويقنّـن عملية إنشاء أيّة مقاولة، وذلك حتى يتسنّى للبلدية الاستفادة من مشاريع المقاولين”.
ويكشف جمال طريفي بأنّ مصالحه كانت قد اقترحت إنشاء مؤسّسات صغيرة تعود بالفائدة على البلدية وسكانها، غير أنّ المقترح لم يؤخذ بعين الاعتبار، ولم تتمكّن مصالحه من تجسيده على أرض الواقع بسبب غياب الدعم المالي والعقار، متأسّفين عن صعوبة فتح الباب أمام المبادرات الجادّة لخلق الثّروات القادرة على مساعدتهم لاحتواء انشغالات المواطنين.
وبحسب رئيس بلدية الولجة، فإنّ كلّ بلدية لها طبيعتها وخصوصيتها، فالمنطقة الفلاحية بحاجة إلى مشاريع وثروات إضافية متعلّقة بقطاع الفلاحة، لكنها مثلما يقول “على اختلاف خصوصيتها، تتقاطع في شروط واحدة من أجل إنجاح الاستثمار، على غرار توفير الإمكانيات البشرية والمادية”، والعكس صحيح، ففي “غياب هذه الإمكانيات، فإنّ رئيس البلدية لا يستطيع أن يخلق أي ثروة مهما حاول ومهما فعل”، وهو – كما يقول – “حال بلديتنا الفلاحية والتي تتمتّع أيضا بثروات منجمية هامّة ومحاجر ورمال، لكن، استصعب تسييرها بسبب غياب المؤهّلات والإمكانيات المادية ومصانع حديثة، وقوانين ترافق العمل والمبادرات الجادّة”.
وفي السياق، يعرج جمال طريفي على قانون البلديات القديم، معتبرا إيّاه أفضل من الجديد، كونه أعطى لرئيس البلدية حرية خلق الثّروات وحرية التّسيير والعمل والمبادرة، أمّا القانون الحالي، فأيّ “مشروع يبادر به من طرف المنتخبين، يجب أن توافق عليه الوصاية”، وهذا بحد ذاته – يكشف رئيس بلدية الولجة – “يتطلّب شهرا أو شهرين للردّ على المداولة”، وعليه، كما يقول: “حان الوقت لتغيير قانون البلدية حتى يتسنّى لرئيس البلدية العمل بأريحية، ويجسّد برامجه التّنموية التي وعد بها السكان ويخلق الثّروة”، لأنّه “إذا بقي الحال على ما هو عليه وبهذا الشّكل، فمن المستحيل أن تخلق البلديات الثّروات، وتجد مصادر أخرى لمواردها المالية، وتتّكل على نفسها”.
خلق الثّروة متعلّق بالدّعم المالي
لا يختلف رأي رئيس بلدية شتمة ببسكرة، محمد سويكي، عن سابقه، حيث يؤكّد بأنّ نجاح المنتخبين في خلق الثّروة بالبلديات والاستثمار، على اختلاف خصوصيتها وطبيعتها، يتحقّق وفق شروط جدّ مهمة، في مقدمتها توفير العقار والحصول على الدعم المالي، وهذا – بحسبه – ما تعاني منه الكثير من البلديات ومنها بلديته، لذا يعجز رؤساء البلديات عن خلق الثروة ومساعدة بلدياتهم بالمبادرات، لافتا إلى أنّ الأمر غير متعلق بالقانون بقدر ما هو متعلق بالدعم المالي.
وبالعودة لبلدية شتمة القريبة من وسط المدينة بأربع كيلومترات، فإنّها مثلما وصفها محمد سويكي لـ “التنمية المحلية”، “شبيهة بمرقد وغير متوفّر فيها لا العقار ولا الموارد المالية، ما أعجزه والمنتخبون عن خلق الثروة والاستثمار فيها”، قائلا في السياق: “موقع بلديتنا وطبيعتها ونقائصها لا تؤهّلنا على إيجاد مصدر آخر لتمويل الخزينة والرفع من مقدار الميزانية المالية، حتى من الجانب التجاري، كفتح حظائر ومصانع، فنحن غير قادرين على تحقيقها، لأن البلدية ليس بها عقار، وعبارة عن أحياء شعبية”، أكثر من هذا فإنّ “الميزانية المالية للبلدية جد ضعيفة، حيث لا تتعدى خمسة ملايير، وهذا يعجزنا عن تسديد أجور العمال، وزادها ثقلا وعناء تهرّب التجار عن تسديد إيجارهم”.
خلق الثّروات بحاجة إلى عقار
نفس الانطباع أبداه رئيس بلدية الأخضرية بالبويرة، ڤورة ابراهيم، بشأن دور رئيس البلدية في خلق الثّروة والاستثمار للرفع من مداخيل مصالحه ودفع عجلة التنمية، مبرزا أنّ “خلق الثّروات بحاجة إلى العقار”. وفي غياب العقار، يقول رئيس البلدية لمجلة “التنمية المحلية”، إنّ “البلدية لا يمكنها أن تستثمر في أي قطاع ولا يمكنها أن تخلق الثروة، ولا يمكنها أن تفكّر في البحث عن مصدر آخر لمداخيلها”.
وفي السياق يقول ڤورة: “وفرة العقار يسمح بخلق مناطق النّشاطات الصّناعية وأسواق، وغيابها يحرمنا من هذه الاستثمارات ومن الاستفادة والحصول على مداخيل أخرى تستنفع بها البلدية، وتسمح لنا بدفع عجلة التّنمية”.
وبالعودة لوضعية بلديتهم، يؤكّد رئيس بلدية الأخضرية بأنّها “لا تتوفّر على العقار ما أعجزهم عن خلق ثروات والاستثمار فيها للرفع من مداخيل خزينتهم”، كاشفا بأنّ “مصالحه اعتمدت 50 مستثمرا، غير أنّ أربعة منهم فقط من شرعوا في النشاط، في انتظار ما يقارب الخمس سنوات لتظهر نشاطاتهم وتستفيد منهم البلدية، باستحداث مناصب شغل للشباب البطال، والاستفادة من الضرائب”. ربما بهذا، كما يقول ڤورة إبراهيم “تنتعش خزينة البلدية وترتفع ميزانيتها المالية”، لافتا إلى أنّ “الأسواق الكبرى لبلدية الأخضرية لا يتأتّى منها إلا أقل من 1 مليار، بينما لا تستفيد البلدية من أي دينار بالنسبة للمحال والأسواق اليومية، ما زاد من ضعف الميزانية المالية”.
وحول ما ورد في قانون البلديات لتشجيع مبادرات رؤساء البلديات لخلق الثّروات، يقول ڤورة إبراهيم: “قانون البلديات حدّ من صلاحيات رئيس البلدية، وضيّق عليه الخناق وأغلق أمامه باب المبادرات، فضلا عن الإجراءات الإدارية التي تفرض عليه تمرير أي مبادرة دون الرجوع إلى مصلحتي الولاية والدوائر، وهي إجراءات، بحسب معرفتي وما عشته في البلدية معقّدة، ما يستوجب القضاء عليها إذا أردنا مساعدة رئيس البلدية على الاستثمار ودفع عجلة التنمية بالشّكل المطلوب من السكان”، يضيف ڤورة.
صعب أن تنفق البلدية على نفسها
يشترط رئيس بلدية سيدي موسى، علال بوثلجة، لخلق الثّروة والاستثمار، وتغيير ذهنية رؤساء البلديات من الاتّكال على دعم الدولة نحو الاتّكال على أنفسهم لتجسيد مشاريعهم التنموية، وضرورة مواكبتها بقوانين وتشريعات وتنظيمات واضحة ومحفّزة، باعتبار تطبيق ما نصبو إليه بنفس القوانين القديمة لن يؤتي بثماره، بل سيزيد الأمر تعقيدا ويدخل رؤساء البلديات في متاهات هم في غنى عنها.
ويرى علال بوثلجة أنّ التغيير من حال لحال على المستوى البلدي، والانتقال من تسيير لتسيير، صعب وليس بالأمر الهيّـن ولا بالمهمة السّهلة والبسيطة، قائلا: “صعب تحويل البلدية من مؤسّسة دولة تؤدّي خدمة عمومية اتّكالية، إلى مؤسّسة اقتصادية تخلق ثروة وتستثمر، وتنفق على نفسها بنفسها، لذا يجب إعادة النّظر في قانون الاستثمار المحلي إذا ما أردنا دخول البلديات لعالم الاستثمارات في كل المجالات”.
منال – ف