تسابق ولاية تمنراست، بما تحويه من مؤهّلات تميّزها عن غيرها من ولايات باقي الوطن في مختلف المجالات، الزمن من أجل لعب دور مهمّ وفعّال، وتعزيز موقعها على خارطة الولايات الإستراتيجية في الاقتصاد الوطني، وفقا للخصائص التي تتمتّع بها من خلال موقعها الجغرافي والثّروات المنجمية (الذّهب والأحجار الكريمة) التي تؤهّلها لتكون مركزا هاما للإقتصاد والأعمال، من خلال فتح باب الإستثمار في قطاع المناجم، وفتح مناصب عمل أمام الشباب البطال، ومحاولة تجسيد تنمية محلية حقيقية تتماشى وخصوصية المنطقة وتطلّعات المواطن، الأمر الذي يؤهّل المنطقة للمساهمة في خلق تنوّع في مصادر الدولة من العملة الصّعبة.
هذه العملية التي تسير بخطى ثابتة ومنتظمة، تعد في نفس الوقت خطوة من شأنها غلق الطريق، والحد من استنزاف الثّروات التي يتمتّع بها الوطن من خلال القضاء على ظاهرة التّنقيب العشوائي وغير الشّرعي عن الذهب، وبالتالي الشّروع في استغلاله بالطرق المثلى والقانونية، التي من شأنها أن تساهم في التخلص من التبعية لقطاع المحروقات.
حاول موقع “التنمية المحلية” تسليط الضّوء على مشروع تعدين الذهب والنحت على الأحجار الكريمة ونصف الكريمة بعاصمة الأهقار.
أزيد من 90 موقعا للتّنقيب كمرحلة أولية
كشف القائمون على ملف ما يسمّى بتعدين الذهب بولاية تمنراست، عن تخصيص 92 موقعا للتّنقيب كمرحلة أولى موزّعة على 07 بلديات، وهذا بعد أن سطّرت الدولة برنامجا لمكافحة ظاهرة التّنقيب العشوائي وغير المشروع عن الذّهب بالمنطقة، من خلال إنشاء مؤسّسات مصغّرة لاستغلال مناجم الذهب، في شقّها الحرفي عبر مجموعة تعاونيات تتشكّل من شباب المنطقة لديهم خبرة تدعم بتكوين خاص من قبل الشّركة الجزائرية لاستغلال مناجم الذهب (إينور)، يتم على مستوى مركز التكوين المهني والتمهين بعاصمة الأهقار كمرحلة أولى.
في نفس السياق، يتم في وقت لاحق الإنتقال إلى مرحلة الإستغلال الصّناعي للمنجم، وهذا بعد تهيئة كل الموارد والإمكانات من خلال دفتر الشّروط والبحث عن شركاء للاستغلال الباطني للذّهب.
73 شابّا و18 شركة تقتحم المجال
تقوم الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية منذ نهاية سنة 2020، بالإجراءات الضّرورية لإنجاح انطلاق العملية، حسب التّعليمات المقدّمة من طرف السلطات العليا للبلاد.
ويقول المدير الولائي للوكالة مسعودي مسعود، إنّ مصالحه قامت رفقة لجنة خاصة بمنح 73 رخصة استغلال فيما يخص المستثمرين الشباب، و18 شركة، وهذا بعد دراسة الطلبات المقدّمة، بتوزيع الرخص على الشباب المنتمين إلى 07 بلديات تتواجد بها مواقع التنقيب المعلن عليها كمرحلة أولية، الأمر الذي – حسب المتحدّث – سيمكّن من استحداث عدد معتبر من مناصب العمل يفوق 700 منصب.
يضيف مدير الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، أنّ العملية تعد خطوة كبيرة وجبّارة من شأنها أن تنعكس إيجابا على واقع الولاية تنمويا، خاصة وأنّ هذه المواقع مؤهّلة لأن تصبح قواعد حياة تتوفر على جميع الشّروط الضرورية للعيش، وهذا بعد أن يتم استحداث مؤسّسات تعنى بالشق الخدماتي (إطعام، نقل وإيواء)، الأمر الذي من شأنه أن يخلق تنمية في العديد من المناطق التي تعد صحراء قاحلة، ولا تتوفّر على ضروريات الحياة.
مدرسة النّحت على الأحجار الكريمة مكسب مكمّل
أكّد مدير مدرسة النّحت على الأحجار الكريمة وصناعة الحلي التقليدية بعاصمة الأهقار، عبد الله لقراوي، أنّ المدرسة وبعد دخولها المرحلة الثانية واستلام الجانب الجزائري المشروع كليا، وبعد انتهاء المرحلة الأولى التي عرفت تكوين مكوّنين مع الجانب البرازيلي في مختلف المعارف الخاصة بالنحت على الأحجار الكريمة، من خلال تلقين الحرفيّين بمعارف مست 06 مقاييس لمختلف المشاركين الذين بلغ عددهم 81 مكوّنا من مختلف ولايات الوطن، يعد خطوة مهمة لتطوير الإنتاج المحلي للحرفيين، خاصة بعد دخول مشروع تعدين الذهب حيّز التطبيق مؤخرا، الأمر الذي يساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للولاية، ويساهم في تنويع مصادر الدخل للعملة الصعبة والتخلص من التبعية للمحروقات تدريجيا، شرط توفير الآلات للحرفيّين المتخرّجين، والمضي نحو إنشاء مشروع مخبر لمعرفة أنواع الحجارة، خاصة وأنّ ولاية تمنراست تحتوي على 61 مؤشّرا للأحجار الكريمة ونصف الكريمة، حسب ما كشف عنه الديوان الوطني للبحث المنجمي بعاصمة الولاية.
مخرج استراتيجي لإنهاء التّبعية للمحروقات
تعد عملية التّنقيب عن الذّهب مشروعا واعدا للدولة ومخرجا استراتيجيا لإنهاء الاعتماد على التّبعية للمحروقات، من خلال تحقيق أرباح أفضل.
وتكمن أهمية هذا النّشاط حسب الأستاذ الجامعي سيف الدين تلي، المختص في مجال المقاولاتية وأنظمة التّسيير بجامعة تمنراست، في إعادة تنظيم هذا النّشاط الذي كان من اختصاص المهرّبين من جميع الأطياف، وكذا إشراك المختبرات المتخصّصة ومركز جامعة تمنراست لإجراء دراسات تجريبية ومستقبلية في هذا المجال.
أكّد سيف الدين تلي أنّ هذه العملية جاءت في وقت مهم جدا، لاسيما في مناطق الجنوب التي تفتقر إلى فرص العمل وبدون فرص عمل، الأمر الذي يجعل من إنشاء تعاونيات التعدين الحرفي لمواقع تعدين الذهب يساهم حتما في خلق فرص ومناصب عمل معتبرة، وبالتالي يساهم في استقرار هذه المنطقة الجيو-استراتيجية.
وخلّفت هذه الخطوة في أوساط السّاكنة والشباب تفاؤلا كبيرا وارتياحا نظرا للتبعات الإيجابية التي من المنتظر أن تنجر عن مشروع مستقبلي من شأنه أن يعود بفوائد متنوعة تساعد في تحسين الحياة اليومية للسكان، خاصة المناطق النائية التي تتواجد بها هذه الثّروة المنجمية.
تعزيز الفكر المقاولاتي لدى الشباب
عبّر عبد الحميد لنصاري، أحد المستفيدين من رخصة استغلال التنقيب عن استحسانه وارتياحه لقرار السلطات العليا للبلاد، والذي حسبه جاء في صالح شباب المنطقة الذين يعانون من بطالة وظروف اجتماعية قاهرة، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز الفكر المقاولاتي لديهم، ويرسّخ العقلية الإستثمارية تساهم في فتح آفاق ورؤى أخرى في شتى المجالات، ستنعكس على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، من خلال توفير مناصب عمل خاصة في المناطق النائية، وما ينجر عنها من فتح مجالات للاستثمار في قطاعات أخرى تكمّل وتدعّم مجال التنقيب (المجال الخدماتي).
أكّد المتحدث في هذا الصدد، أنّ اقتحام هذا المجال من طرف الشباب يعد خطوة جد إيجابية، في ظل المرافقة التي تسعى الجهات الوصية لتوفيرها، سواء من خلال الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية أو حتى التكوين في هذا المجال من طرف الأخصائيّين، وحتى توفير الحماية في المواقع المحدّدة لكونها بعيدة عن المناطق الحضرية، الأمر الذي يساعد على العمل بشكل جيد، خاصة مع الاختيار الأمثل للمواقع المخصّصة للتنقيب، وتوفير الآلات والمعدّات الضرورية والحديثة، وتسهيل عملية اقتنائها، ممّا يساهم في ترقية الاستغلال من الحرفي إلى الصّناعي