ناشد سكان مشتة مجاز الابيض ببلدية الركنية ولاية قالمة، والتي صنفت ضمن “منطقة ظل” بامتياز، السلطات المحلية والولائية التدخل لوضع حد للغبن الذي يلازمهم منذ عقود طويلة في ظل انعدام ضروريات الحياة بمساكنهم، على غرار الكهرباء والطرقات والمياه، مما جعلهم يعيشون في ظلام دامس، ويعتمدون على وسائل بدائية في توفير هذه الضروريات.
لدى تنقل “التنمية المحلية” إلى مشتة “مجاز الابيض”، وقفنا شهودا على تلك المعاناة التي يتكبدها القاطنون بالمشتة الواقعة وسط سلسلة جبلية وعرة، وتبعد عن مقر البلدية “الركنية” بحوالي 13 كلم، ولا يمكن الوصول إليها إلا بعد مدة زمنية طويلة، وذلك بسبب صعوبة تلك المسالك المؤدية إليها. الفرحة التي أبداها سكان المنطقة لدى تقربهم منا ومعرفتهم بهدف زيارتنا جعلتنا نتأكد أكثر بأنهم يعيشون حياة صعبة حقا.
انعدام الطرقات واستخدام الحيوانات كوسيلة للنقل
على غرار المشاتي الأخرى المترامية عبر تراب ولاية قالمة، يعيش سكان مشتة “المجاز الابيض” حالة من التخلف التنموي جراء الركود والجمود الذي طال أمده على مستوى المشاريع التنموية.
سكان مشتة مجاز الابيض نقلوا لـــ “التنمية المحلية“، أكبر المشكلات التي تنغص عليهم عيشهم.. من أكبرها الطرقات الوعرة وغير المهيأة عبر عديد التجمّعات السكنية، ما دفع قاطنيها إلى استعمال الوسائل البدائية والحيوانات في تنقلاتهم، كما كانت سببا في هجرة جماعية عرفتها بعض المناطق.
السكان ناشدوا السلطات المحلية من أجل إعطاء القرى الجبلية المعزولة عناية خاصة للتغلّب على أهم الصعوبات التي تواجههم، فوضعية الطرقات تجعل التجمّعات السكنية في عزلة مع تساقط القطرات الأولى من المطر، كما يصعّب الوضع على السكان ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي ومن دون معاناة، فكل هذه الأسباب وأخرى أدت بهم إلى التفكير في نهج سبيل من سبقوهم أي النزوح إلى المدن، كما فعل العديد منهم خلال السنوات الماضية خاصة في سنوات العشرية السوداء.
ومن بين الطرقات والمسالك التي تتواجد في وضعية مزرية منذ ثلاثة عقود، يطالب السكان بتسوية الطريق الذي يربط “مشتتة الملعب” بمشتة المجاز الأبيض ومشتة “عين الحمراء” على مسافة 3 كلم الذي يمثل كابوسا حقيقيا للساكنة.
حياة بدائية في أكواخ من الطوب والمعاناة تزداد كل شتاء
لايزال سكان مشتة المجاز الابيض، يعيشون حياة بدائية بكل معانيها في عام 2021م، حياة تعكسها صور المعاناة التي يعيشها قاطنو هذه الاكواخ منذ عقود طويلة، فأزيد من 30 سنة وهؤلاء العائلات منسيون ينترون مع كل سنة أو عهدة انتخابية لعلها تحمل الفرج لعناء الحياة التي يعيشونها.
ويبقى الأمل في التزام السلطات المحلية بتنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية الأخيرة فيما يخص فك العزلة على مناطق الظل.
“التنمية المحلية” نزلت وتقصت عن ظروف الحياة التي تعيشها هذه العائلات عن كثب، زرنا بعض الاكواخ أو شبه أكواخ بوصف أدق فجلها مبني بالطوب والحجارة واسقفها بالقش والقصدير، وللوهلة الأولى يعود بك الزمن لعصر الحياة البدائية، التي تنعدم فيها أدنى شروط الحياة فالوصول لتلك المنازل يتطلب السير فوق الوحل، وهو الطريق الوحيد المؤدي الى أكواخ يصعب التجول بداخلها والحديث عن حياة غير موجودة على أرض الواقع بالنسبة لهم.
هذه الاكواخ تكاد تهوي على رؤوس قاطنيها، تتسرب مياه الأمطار من كل جانب وتنعدم فيها كل مقومات الحياة الكريمة، وعنوان حياتهم البؤس والحرمان والقهر بسبب التجاهل المستمر للمسؤولين المحليين المتعاقبين.
يقول أحد السكان: نناشد المسؤولين بالتفكير فينا نحن أبناء الجزائر العميقة، هذه الغابات كانت مأوى للمجاهدين وخاضوا بها معارك تاريخية، قبور الشهداء لا تزال مزروعة عبر هذه الجبال الشامخة، والان في زمن الاستقلال تنسى ويتم تجاهلها وتجاهل مآثر وبطولات شهداءها والتفريط في أحياءها.
لا غاز ولا كهرباء
معاناة السكان لم تنتهي عند هذا الحد، حيث لا يزالون يتكبدون معاناة فصل الشتاء، والتي تلازم السكان أثناء التنقل إلى محلات بيع قارورات الغاز، إضافة إلى نقلها على الحيوانات والتي تكون في الكثير من الأحيان إلى مسافات طويلة، مما يجبرهم على العودة إلى الحطب لاستعماله في التدفئة وحتى الطهي.
وإلى جانب الفقر والتهميش الذي تعرفه مشتة “مجاز الأبيض” فإن الساكنة تعيش تحت وطأة معاناة أخرى، تتمثل في غياب الكهرباء عما يمكن تسميتها مجازا بالمنازل.. ظلام دامس يخيم على المشتة، وعزلة تامة عن العالم الخارجي.
يحكي محمد، وهو من قاطني المشتة ذاتها، كيف يعاني هو وجيرانه الأمرين منذ مدة بسبب انعدام الكهرباء، وعدم إتمام مشروع تزويد المشتة بالكهرباء، حيث قام المقاول بوضع اعمدة الكهرباء ولم يتم توصيل الكوابل بها، لأزيد من 6 أشهر، بل إنه زاد الطين بلة بسبب الحفر التي تركها والتي ادت الى سقوط بعض الأغنام فيها.
يضيف محدثنا “أصبحنا نعيش الويلات بسبب غياب الكهرباء وغياب شروط الحياة في هذا الدوار، لكم أن تتصوروا كيف نعيش أيامنا هنا بدون كهرباء”.
سكان في رحلة بحث عن مياه الشرب
أوضح سكان ” مشتة المجاز الابيض” في حديثهم مع “التنمية المحلية”، أن أحوالهم لم تتحسن ولم ترتق نحو الأفضل؛ لا لشيء سوى أن منطقتهم لم تظفر بنصيبها من التنمية منذ سنوات، وتأتي أزمة ماء الشرب في صدارة المشاكل التي تؤرق السكان، الذين ما يزالون يتزودون بمياه الينابيع والأودية، حيث يقطعون عشرات الكيلومترات يوميا لجلب الماء على الأحمرة أو على ظهورهم وسط مسالك صعبة ووعرة.
ويضيف أحد سكان المشتة أنهم يعانون مشكل انعدام ماء الشرب منذ فجر الاستقلال، في ظل عدم تزويد القرية بشبكة الماء، وحتى الأطفال والنساء والمسنين أنهكتهم الظروف القاسية، وأثقلت كاهلهم الحمولة اليومية للبراميل مسافات طويلة؛ إذ يتزود معظم العائلات من مياه الاودية، التي تقل وتجف في فصل الصيف؛ ما يزيد من معاناتهم، لتنطلق رحلة البحث إلى المناطق المجاورة في ظل غياب وسائل النقل لانعدام الطريق.