النعامة من أهم المناطق السياحية في الجزائر، فهي غنيّة بمواقعها التي تزخر بموروثات طبيعية وأثرية وحفرية يعود أصلها إلى ما قبل التاريخ، وتعتبر متحفا طبيعيا مفتوحا على الهواء الطلق. تنام على كنوز سياحية هامّة تؤهّلها لتكون قطبا سياحيا عالميا كالحمام المعدني، القصور القديمة، السد والأحجار المنقوشة.
أول محطة للنحت الحجري
هذه الرّسوم الحجرية حسب الباحثين تعد أوّل محطة في العالم تمّ العثور فيها على النّحت الحجري، وبالضّبط ببلدية تيوت التي اكتشفت من طرف الدكتور فيلكس جاكو ومرافقه النقيب كوش اللّذين كانا في مهمة استطلاعية كان يقودها الجنرال كافينياك (cavignac) أثناء الحقبة الاستعمارية. في 24 أفريل 1847 الذي كان يرافق بعثة الجنرال كافينياك.
تتربّع ولاية النعامة على مساحة إجمالية تقدّر بـ 29514.14 كلم 2، تنقسم جغرافيا إلى ثلاث مناطق: سهبية، رعوية وشبه صحراوية وهي متواجدة بالجنوب الغربي الجزائري. تولّدت تركيبتها السّكانية الحالية نتيجة التّفاعلات التاريخية والثّقافية التي نتجت عن التّجمّعات البشرية التي سكنت المنطقة ابتداءً من عصور ما قبل التاريخ إلى الفتوحات الإسلامية، وحتى دخول الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة سنة 1847، حيث تفرّغت التركيبة الحالية عن قبيلتي بني عامر وبني هلال.
ولاية النعامة ذات موروث ثقافي ضارب في عمق التاريخ بقصورها العتيقة ونقوشها الصّخرية الدالة على حضارة عريقة مترامية الأطراف عبر سلسلة الأطلس الصّحراوي، وقصورها العتيقة الواقعة بمنطقة جبال القصور، هذه التّحفة النّفيسة بجبالها الشّاهقات ورمالها الذّهبية ومناظرها الخلاّبة ومآثرها التليدة، يمتد تاريخها بجذوره في أعماق الوجود الضّارب في القدم أكثر من 200 مليون سنة (صخور ملحمية، محطة حموية) ووجهها الثّقافي المتنوّع فقد اقترن فيها التّاريخ بالطّبيعة، إذ كلّما توغّلت في أدغال تاريخها تكتشف وجود لوحات، غابات، حيوانات، رسوم حجرية وكتابات ليبية قديمة.
فهذه الرّسوم الموجودة بصخورها ذات تقنيات كبيرة تشمل مجموعة من الحيوانات التي عاشت بالمنطقة من زمن بعيد، كما تبيّن هذه الرّسومات حضارات ما قبل التاريخ وتاريخ الإنسان القديم، وصراع الإنسان مع الطبيعة، فهذه مواقع الأدوات الحجرية والمغارات والكهوف تنتشر عبر جبال القصور هي شهادات حيّة وقيّمة لا تقدّر بثمن، توارثتها عن شعوب قديمة تشهد على طريقة نمط معيشتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعلى أنواع الحيوانات التي كانت تعيش في ذلك العصر.
فالفن الصّخري للجنوب الغربي لا علاقة له بما كان قبل الحكم الملكي المصري، فهي بالتأكيد من بين أقدم المظاهر الفنية والطقوسية لإفريقيا حسب المؤرّخ لوت، حيث توجد بها أكثر من 300 محطّة للصّخور المنقوشة أبرزها محطة تيوت، المحيصرات، عين عرقوب المغار بجبل مكثر، عين بن سرارة التي اكتشفها النقيب دوسيني بين 1902 و1907 بالعين الصفراء، محطة أم البرايم بسيدي براهيم، تاوزامت والصبيع ببلدية مغرار، درمل وسيدي محمد مول المكتوبة، واد العرعار، تشطوفت ورصفة الحمام ببلدية جنين بورزق، كدية عبد الحق، خناق الطيب، بلقراد، الرجيمات، حاسي لبيض، ضاية سيدي أحمد المجدوب ببلدية عسلة وغيرها من المحطات والمواقع الأثرية الأخرى. كما اكتشف النّقيب دوسيني أيضا بقايا عظام الموتى في هذه المعالم، غير أنّ المعلومات الأولى الأكثر صحة حول تعمير المنطقة بدأت مع تومولوس، وهي مقابر لأناس سكنوا هذه النواحي في تلك الفترة المتأخّرة تسمى محليا أو بالعرف الشعبي بـ “الكراكير” أو “قبور الجهالة” أو “الرجم”، حسب الدراسات التي نشرت آنذاك حول تومولوس بمنطقة العين الصفراء خاصة من طرف بوتي سنة 1905، ودوسيني سنة 1908، وهو الذي صنفها إلى أنواع حسب نوع البناء وهي متواجدة بكل من ثنية لغزالة، شقة الميلح واد الصفراء بالعين الصفراء وقارة الضبع بتيوت.
المحطّـة المعدنية حمام عين ورقة
من الكنوز السياحية التي تزخر بها ولاية النعامة نجد المحطة المعدنية عين ورقة، هذه القرية الصّغيرة التي ارتبط اسمها بحمامها المعدني، والتي تعد متحفا جيولوجيا استقطب خبراء العالم لما لها من خصوصيات وكنوز سياحية هامة اكتشفت سنة 1921، وأصبحت تستعمل للاستجمام منذ سنة 1943، حيث تصل درجة حرارتها إلى 46 درجة، فهي إضافة إلى استعمالها للاستشفاء من الأمراض الجلدية، أصبحت قبلة للسياح والمرضى من مختلف أنحاء الوطن.
بقايا الديناصور..اكتشاف العصر
معلم أثري وتاريخي آخر تزخر به ولاية النعامة يعد من المعالم السياحية كذلك، وهو بقايا الديناصور بمنطقة رويس الجير بالصفيصيفة، فمع بداية القرن العشرين تمّ التّأكّد من احتمال وجود متحجّرات لعظام الديناصورات بالمنطقة، وتبدّدت هذه الشّكوك في أكتوبر 2000 أين تمّ اكتشاف بقايا عظام ديناصور
(صافرويود) من سلالة أكلات الأعشاب يتراوح طوله ما بين 10 إلى 12 مترا وعمره ما بين 160 إلى 175 مليون سنة.
القصور العتيقة تحف عمرانية وشاهد الذّاكرة التّـاريخيّـة
إلى جانب هذا، فالنعامة تمتاز كذلك بقصورها العريقة التي كان يقطنها المستقرون من الأهالي، كما كانت منطقة عبور للقوافل التجارية، فهذه القصور العتيقة تقع بجنوب الولاية حيث بنيت على مشارف المجاري المائية للوديان بمحاذاة واحات النخيل والبساتين الخلابة، ويعود تاريخها إلى أكثر من عشرة قرون. سكانها الأصليّون هم الشلوح من أصل بربري بنيت بشكل وطابع هندسي معماري رائع ومناسب لمناخ وطبيعة صحرائنا الجميلة، وبساطة الانجاز المستعمل في بناء بيوت هذه القصور ومدى ملاءمتها وتحمّلها للبرودة شتاءً والحرارة صيفا، كما أنّه يستجيب لمتطلّبات الحياة الرّوحية والثّقافية والاجتماعية والاقتصادية للسّكان، ورغم مضي عدّة قرون من تشييدها، فهي مازالت لحد الآن الشاهد الحي لذاكرتنا التاريخية وهويّتنا الوطنية الأصيلة أصالة أمجادنا، الذين صنعوا تاريخ هذه المنطقة، وهذه القصور متواجدة بكل من عين الصفراء الذي تمّ تهديمه وتغييره ببناء معاصر لم يبق منه إلاّ بعض الشّواهد لا تتعدى 10 %، الصفيصيفة، مغرار، قلعة الشيخ بوعمامة، تيوت وعسلة إلى جانب زاوية الشيخ بوعمامة بقلعة الشيخ بوعمامة، والتي أسّسها بوعمامة سنة 1845 فكانت إشعاعا للعلم والمعرفة، كما كانت موطنا لمرشدي القبائل وقهر الاستعمار.
وإلى جانب هذا، فإنّ ولاية النعامة تزخر كذلك بمناظر طبيعية خلاّبة تجعل منها مكانا للراحة تحت واحات النّخيل الباسقة المعانقة للسّماء، الرّمال الذّهبية، بحيرتي عين ورقة وحوض الدائرة بعين بن خليل، منطقة عين عيسى بأعالي جبل عيسى وبالضبط بالحظيرة الوطنية عين عيسى المصنّفة مؤخرا، والتي لا تزال في حاجة إلى اهتمام أكثر وتفعيل للحفاظ عليها، وغيرها من المناظر الطّبيعية الخلاّبة.
كل هذه المعالم جعلت النعامة تتوفّر على متحف طبيعي وتاريخي هام يمكن أن يكون مصدرا وموردا هاما للولاية، غير أنّها أصبحت عرضة للتّخريب سواء من طرف الإنسان أو العوامل الطبيعية مثلما يحدث للصّخور المنقوشة بكل من تيوت والعين الصفراء، كما أنّ المحطّة المعدنية عين ورقة لا تزال تستغل بطرق بدائية، لذا فهي في حاجة إلى استثمار فعّال ودراسة معمّقة قصد إنشائها منطقة محمية طبيعيا تستغل في إطار نوع من السياحة الرفيعة. كما أنّ القطاع في حاجة إلى وضع برنامج استعجالي لحمايته من الاندثار والإسراع في ترميم ما يمكن ترميمه، وإعطاء ديناميكية جديدة للرفع به مع إعطاء تسهيلات ميدانية في العقار السياحي، الذي يعتبر العمود الفقري للاستثمار وتوفير المقاييس المعمول بها عالميا في هذا الميدان، لأنّ السياحة تعد من أكبر مجالات التجارة والنشاط الاقتصادي المعاصر، ومصدرا دائما للثّروة وقطاعا حيويا، وأحد أبرز الظّواهر الاجتماعية التي تتيح للمجتمع فسحة للاستمتاع بفضاءات سياحية متنوّعة يحقّق من خلالها قدرا كبيرا من الراحة والترفيه، كما تعد رهانا حقيقيّا ومكسبا ثمينا ومثمرا إذا عرف كيف يتم استغلاله.