تحظى الطّاقات المتجدّدة باهتمام ورعاية كبيرين من طرف الحكومة الجزائرية، ما جعل العديد من المتعاملين الإقتصاديّين يدخلون غمار الاستثمار في ميادينها المختلفة واستخداماتها المتعدّدة، وفقا لمعايير البناء المستدام في مسار التّأسيس لجزائر جديدة.
تبرز “التنمية المحلية”، في هذا الريبورتاج، جهود كفاءات وطنية أظهرت تفوّقا كبيرا في انتهاج إستراتيجيات اقتصادية وخطط تّكوينية تبنّتها الدولة لتعزيز قدراتها بغية الصّمود في مواجهة التحولات الجديدة والمتغيّرات المحتملة، لاسيما في المجال الطّاقوي.
يقع المقر الرّئيسي لمجمّع التّسيير والصّيانة والاستشارة في المجال الطّاقوي “G.M.C.E” بوهران، والذي يسعى لتعزيز مكانته ومسيرته، كواحد من أهم الشّركات المتكاملة، المختصّة في التّكوين والإنجاز وخدمات البيع وما بعد البيع في ميادين الطّاقة المتجدّدة، مشكّلا بذلك دعامة أساسية في مسار تعزيز روح المقاولاتية بما يتوافق مع المعايير والمواصفات العالمية.
تأسّست شركة “جي – أم – سي – أو” سنة 2005 من فكرة إنشاء “مجمّع” للمؤسّسات الاقتصادية الخاصة، يضم أكثر من 400 مؤسّسة في جميع التّخصّصات، متفرّعة عن الشّركة الأم “موبيستار” للبناء والأشغال العامة، التي أنشئت سنة 1993، بالموازة مع فتح فرع لها في مجال التّكوين المؤسّساتي المقاولاتي، ضمن ما يعرف بالبرنامج الأوربي “جي – إي – زاد” بين الجزائر وألمانيا، والذي أسفر عن تكوين أكثر من 300 مؤسّسة.
كما تعتبر المدرسة الأولى وطنيا التي فتحت المجال واسعا لنيل شهادتي تقني وتقني سامي في مجالات الطّاقة الشّمسية والرّيحية والحرارية، وقد تخرّج فيها أكثر من 3000 متربّص على المستوى الوطني، وفي كل التّخصّصات، حسب ما جاء على لسان بن جبار عابد، الرّئيس المدير العام لمجمع “جي – أم – سي – أو”، والذي أكّد ”أهمية التّركيز على تكوين الكفاءات المؤهّلة في الطّاقات البديلة بهدف إعداد قيادة ناجحة، قادرة على مواكبة التّطوّرات التّكنولوجية في العالم وتكييفها مع الواقع المحلي.
مدخل تطوير تقنيات الطّـاقة المتجدّدة
يعتبر بن جبار أنّ إدماج التّكوين ﺍﻟﻨّظرﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺘّﻁﺒﻴﻘﻲ، من ﺍﻟﻤﻬﺎﻡ الأساسية لمؤسّستهم التكوينية التي وسّعت مجال استجابتها لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمتربّصين في ميدان المقاولاتية بمختلف مجالاتها، من خلال تأسيس وحدة للإنجاز في إنتاج الطّاقة الشّمسية تضمن التّربّص التطبيقي في الميدان بعد إنهاء فترة النّظري.
ويشير إلى أنّ وحدة الإنجاز “جي – أم – سي – أو”، التي دخلت حيّز النّشاط الفعلي في 2017، تندرج في إطار مساعي المجمّع للتواجد في مختلف مجالات الطّاقة البديلة، والتي تتضمّن جميع الأعمال المدنية والميكانيكية والكهربائية والهندسية، وغيرها من الخدمات المتكاملة للتّشغيل والصّيانة والمتابعة.
ومن بين المشاريع التي أنجزتها هذه المؤسّسة بالتعاون التام مع خرّيجي مدرستها التكوينية، تجهيز مدرسة ضباط الصف وضباط الدرك في مليانة بعين الدفلى بأعمدة الإنارة الشّمسية، بالإضافة إلى مدرسة أشبال الأمّة بالدار البيضاء في وهران، ناهيك عن ربط ثلاث مؤسّسات تربوية أخرى بهذه الطّاقة في معسكر، وكذا مدرستين ابتدائيتين في مستغانم، بالتّنسيق مع مديرية التّجهيزات العمومية، وعمليات أخرى لفائدة ديوان الترقية والتسيير العقاري بنفس الولاية…
فضاء لعرض منتجات الطّـاقة الشّـمسية
المحطّة القادمة لمجمّع التّسيير والصّيانة والاستشارة في المجال الطّاقوي “G.M.C.E” ستكون فتح فضاء عرض “شوروم” بالقرب من محور الدّوران “أشلام”، يقدّم مجموعة متكاملة من منتجات الطّاقة الشّمسية الكهروضوئية، والمنتجات الكهربائية المنزلية التي تتّصف بتوفيرها للطّاقة وبالتكنولوجيا العالية، وكذا سهولة الاستخدام، وذلك بهدف ولوج خدمات البيع وما بعد البيع.
وبفضل رؤيته الواعدة والطّموحة، يكون هذا الفاعل المؤسّساتي النّاشئ، قد ساهم بقوّة في تطوير خبرة وطنية في المصادر المتجدّدة، وفقا للمعايير الدولية المتّبعة في التّكوين والتّدريب، بهدف تسهيل ولوج أسواق الاستثمار الحقيقي في هذا الميدان الخصب أمام الشباب المبدع، كمدخل رئيسي لمواكبة ديناميكية الانتقال الطّاقوي المعتمدة من قبل الجزائر.
إشراك الكفاءات في خطط عصرنة وهران
يقول بن جبار عابد في هذا الخصوص، إنّ “مؤسّستنا توفّر المتابعة والمرافقة المقاولاتية في مختلف مجالات الطّاقة البديلة، بهدف إعداد خبرات علمية، تقنية، إدارية، تنظيمية، تجارية وتسويقية، ترتقي إلى الأهداف الوطنية”، مبيّنا “سعيهم الدائم لبلوغ المقاييس الحقيقية للتقدم في التقنيات المستخدمة في تكنولوجيات الطاقة الشّمسية الكهروضوئية، والمساهمة الجادّة في استراتيجية التحول الطاقوي التي تدخل في صلب برنامج الطّاقات المتجدّدة 2030″.
ويسترسل قائلا: ”إنّ تحقيق هذا المسعى كحتمية ضرورية لمواجهة محدودية موارد الطّاقة الأحفورية، والطلب الداخلي المتزايد يتطلّب إيجاد بيئات مواتية، ترتكز على الدعمين المادي والمعنوي للمؤسّسات الصّغيرة والناشئة، من جهة، وتشجيع الاستثمار في الرأس المال البشري المؤهّل والمدرب، من جهة أخرى”، معتبرا أنّ “تشجيع الكفاءات الوطنية والاعتماد عليها، خطوة أساسية في تطوير وانتشار تكنولوجيات الطّاقة المتجدّدة في المنطقة”.
كما نبّه المسؤول الأول على مجمّع “جي – أم – سي – أو” للتّسيير والصّيانة والإستشارة في المجال الطّاقوي، إلى “ضرورة إعداد الإطار التشريعي والتنظيمي، الذي له بالغ الأثر في تحقيق الأهداف التي وضعتها الجزائر لنفسها في هذا المجال، نظرا لاحتكامها على إمكانيات طبيعية هائلة، لاسيما من الطّاقة الشّمسية، الريحية والحرارية”.
ويضيف أنّ “الظّرف الحالي والتحديات الرّاهنة، على جميع الأصعدة، يتطلّب فسح المجال أمام الطواقم الشابة للمشاركة في تنفيذ الدراسات، وإدارة مشاريع الطّاقة المتجدّدة، ابتداءً من الخطّة الرئيسية للمشروع إلى الإنجاز، بما يصب في الاستراتيجيات وخطط العمل الوطنية لترقية المؤسّسات المتوسّطة والصّغيرة، كآلية لدعم التنمية المحلية، خاصة وأنّ هذه الفئة يمكنها تقديم الدعم والمساعدة المطلوبة في استراتيجية تنمية مناطق الظل، وغيرها من التحديات التي تعتلي صدارة السياسات والأولويات الوطنية، وفقا لمبادئ خطة التنمية المستدامة، كما يمكن إشراك الكفاءات المحلية في تحدّي العصرنة والتحديث الذي رفعته عاصمة الغرب الجزائري، في السّنوات الأخيرة”.
وتقدّم بمجموعة من المقترحات الأخرى لمواصلة تطوير القطاع السياحي بالباهية، وهران، وغيرها من المجالات الأخرى، التي تدخل في إطار التّحضيرات المكثّفة للطّبعة الـ 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسّط 2022، ولاسيما بالمواقع السياحية المعزولة، خارج نطاق الشبكة الكهربائية، على غرار الشواطئ، الغابات، الحدائق المتنوّعة وكذا المعالم الأثرية والتاريخية، ومنها قلعة “السانتا كروز” بأعالي جبل المرجاجو.
حلول لتزويد مناطق الظل بالطّـاقة
يبرز المختص في الطّاقة المتجدّدة، بن جبار محمد، أهمية المصادر الطّاقوية الجديدة ودورها في تحقيق التنمية المحلية المستدامة، لاسيما بالمناطق النّائية والمعزولة، مشيرا إلى اقتراح تقدّم به الخبراء لتزويد المجمّعات المنتشرة بمناطق الظل بمحطّات لتوليد الطّاقة الشّمسية، تسيّرها وتستغلّها المؤسّسة المشرفة على الأشغال، وفق خطّة استراتيجية تتبنّاها الدولة، عوضا عن خلق مولدات فردية لكل منزل، كما يجري حاليا.
ويطالب الخبير الدولي بتكثيف وتضافر الجهود لتسريع وتيرة تطوير مشاريع الطاقة المتجدّدة، وإدماجها في مزيج الطاقة الوطني، وذلك لما لها من أثر كبير ومباشر في تحقيق ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ وﻣﺴﺘﻮى ﻣﻌﻴﺸﻲ ﺟﻴّﺪ لجميع الأفراد، بما يتماشى مع متطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي على المديين المتوسّط والبعيد.
كما يشدّد الخبير الدولي، أيضا، على ضرورة التوزيع العادل لمشاريع الطّاقة النّظيفة على المقاولات الوطنية المتوافقة مع معايير الجودة العالمية المتعلقة بالإنجاز والمادة الأولية، ولاسيما ألواح الطّاقة الشّمسية والمولّدات الكهروضوئية، وغيرها من المنتجات عالية الجودة، كواحدة من مفاتيح نجاح التجربة الجزائرية في مختلف مجالات واستخدامات الطاقة المتجدّدة، وفقا لنموذج مستدام يشمل ﺍﻟﺘﺤدياﺕ الاقتصادية والاجتماعية وﺍﻟﺒﻴﺌﻴﺔ في مسار بناء الجزائر الجديدة.
وتطرّق الخبير الدولي المختص في الطّاقة المتجدّدة، إلى البرنامج الواسع الذي تبنّته الدولة من أجل إنتاج 22 ألف ميغاواط من الكهرباء المنتجة عبر الطّاقات المتجدّدة بحلول عام 2030، وخاصة منها الشمسية، حيث أكّد “أن الجزائر قادرة على تحقيق مكاسب هائلة في مجال الطّاقة الشّمسية في حال التركيز على نقاط القوّة”.
ويقول الخبير في هذا الشأن: “ما لاحظناه، أنّ تنفيذ البرنامج الوطني للطّاقات المتجدّدة 2011 – 2030، يجري بوتيرة بطيئة، على هامش الطّموحات المسطّرة لتعزيز الأمن الطّاقوي الوطني، وحتمية التوجه نحو الاقتصاد الأخضر لتحقيق التنمية المستدامة”.
ويؤكّد أنّ سير تنفيذ هذا البرنامج لا يرقى إلى رؤية جزائر 2030، بما في ذلك تحقيق 30 % من المزج الطّاقوي النّظيف في أفق 2030، والذي لا يتعدى حاليا 8 %، وذلك بالنظر إلى حجم الإمكانيات المتوفرة من ناحية الموارد الطبيعية للطاقة أو الإمكانات البشرية والبيئية الملائمة.
ويتوقّع أن تعرف مشاريع الطّاقة المتجدّدة نجاحا كبيرا في الجهة الشمالية من الوطن مقارنة مع الجنوب، وذلك بالنظر إلى توفّر المقوّمات الأساسية والدّعامات الصّحيحة لضمان نجاح هذا المسعى، وعلى رأسها توفّر الزبون المستهدف والعملاء المحتملين في خطط التّسويق.
وعلى هذا الأساس، شدّد محدّثنا على ضرورة تطوير بيئة استثمارية متكاملة للشّركات العالمية والمحلية، من خلال تبنّي مجموعة من الشّروط المطلوبة لتحقيق مقاصد الأهداف المحدّدة وطنيا في قيادة الانتقال نحو الطّاقة المتجدّدة، بما فيها تهيئة وتأهيل المؤسّسات النّاشطة في هذا الميدان، وفتح المجال واسعا أمام الخبرات المحلية، والعمل على التطوير المستمر لمهاراتها وإمكاناتها.