توجد علاقة وثيقة بين الإعلام والتنمية، فلا توجد تنمية بدون إعلام، ولا إعلام بدون تنمية، حيث يمكن للإعلام أن يكشف العديد من جوانب المشاريع والعمليات التنموية في أقصى نقطة من البلاد.
فأيّ تحول في المجال الاجتماعي، لابد وأن يكون له أثره على الإعلام، وبالمثل فإنّ التّغيّرات في الإعلام تؤثّر على حياة المواطن بمختلف مستوياتها، ويرى أستاذ الإعلام العيد زغلامي، أنّ “الإعلام هو جزء من ما يصطلح على تسميته بالبيئة الإعلامية وأنه لا وجود لتنمية حقيقية من دون إعلام.
نزوح نحو الكاميرا..الميكروفون والحبر
قبل التّطوّرات الكبيرة التي عرفتها المعمورة، وفي مقدّمتها الثّورة التّكنولوجية والاتّصالية الواسعة، كانت وسائل الإعلام التّقليدية تنتقي في تقديم خدمة إعلامية تنموية، من خلال الإذاعات والقنوات والجرائد الجهوية، وبالرّغم من الجهود التي كانت الدولة قد أعلنت عنها في إطار تحقيق التّوازن الجهوي، إلاّ أنّ نقل المعلومة كان يتّجه في إطار واحد، من القمّة إلى القاعدة، يعني من وسيلة الإعلام إلى المواطن الذي كان مغلوبا على أمره، لا يستطيع نقل صراخه ومطالبه إلى دوائر صنّاع القرار في الدولة، وما ظاهرة “النّزوح الرّيفي” التي عرفتها الجزائر سنوات بعد استقلال الجزائر، إلاّ واحدة من بين الأمور التي تبرز فشل الإعلام التّنموي في تحقيق تنمية اجتماعية ومحلية، فاضطرّ المواطن البسيط إلى تغيير موقعه للحصول على حياة كريمة توفّر له على الأقل التمدرس لأبنائه، الحصول على عمل وسكن لائق، حياة تصلها أضواء الكاميرات، وتمتص معاناتها ميكروفونات الإذاعات، وينقل واقعها حبر الصّحف.
وسائل إعلام حديثة و”مناطق الكلّ”
لكن مع التّطوّرات التكنولوجية الحاصلة في العالم، أضحت وسائل الإعلام الحديثة فاعلا أساسيا في المشهد التنموي، من خلال نقل أخبار مناطق كانت في القريب تسمّى نائية، حيث أضحت مع التطور السريع لوسائل الإعلام غير نائية بالنّسبة للإعلام، بالنّسبة للقدرة على نقل واقعها، فأصبحت الوسائط الإجتماعية، سواء كانت وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وغيرها أو المواقع الإلكترونية الحديثة، تنقل وعلى المباشر صور البؤس والمعاناة، صور من أعالي الجبال، من عمق الصّحراء، ومن الحدود المترامية الأطراف، يصعب على أجهزة الإعلام الثّقيلة الوصول إليها ونقل معاناة سكانها، بل أنّها أضحت شاهدة على كل ما يحدث، بعيدا عن صخب المدينة واكتظاظ وسائل الإعلام بها التي تتولّى نقل كل كبيرة وصغيرة.
اليوم تمتلك تلك الوسائط قوّة مؤثّرة، تتركّز في قدرتها علي تشكيل رؤيتنا للمناطق التي تحيط بنا، وفي تشكيل نظرة عن العالم الداخلي للبلاد، وممّا زاد من قوّة وسائل الإعلام الحديثة، أنّ المؤسّسات الكبرى للدولة وجدت نفسها مجبرة على تشكيل وسائلها وتصوّراتها بما يتناسب مع وسائل الإعلام المعاصرة، الأمر الذي كان له تأثيره في العملية التّنموية، لذلك فقد ازداد تأثير وسائل الإعلام في صنع القرارات والسياسات الداخلية، إذ أنّ الأيام تشهد على أنّ “مناطق الظل”، التي أطلقت على أماكن الفقر والحرمان، والتي لم تصلها شمس التنمية، على الدور الكبير لوسائل الإعلام للترويج لها ونقل معاناة وحرمان قاطنيها، فاليوم وبعد أكثر من سنة على كشف ملامحها أمام كاميرات التلفزيون، بدأت “مناطق الظل” تتحوّل إلى “مناطق الكلّ” يعني أنّها أصبحت مهمة الجميع، والكل معني بالقضاء عليها.
هذه الأمثلة وغيرها، كلّها مؤشّرات قويّة على تجسيد العلاقة الارتباطية بين الإعلام والتنمية والمواطن، وتجسّد في الوقت ذاته مبدأ الاعتماد المتبادل فيما بين الإعلام والمواطن في المجتمع.
مرتزقون وأصحاب النّـوايا الحسنة في معركة “الكرّ والفرّ”
كما لعبت وسائل “الإعلام المعاصرة” دورا في إحلال السّلم وكبح جماح غضب السّاكنة من غياب التنمية في مناطقهم، واستعملتها الدولة أيضا لتهدئة النّفوس، وبات أثرها أكبر من نزول أي مسؤول محلي أو وطني إلى جبهة المعارك التّنموية، فإصدار بيان مثلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول فتح مسابقة توظيف، أو الإعلان عن مشاريع بتلك المنطقة مرفوقا بالأدلّة، من شأنه أن يساهم في نشر التّهدئة، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة أداة من أدوات الحروب النّفسية، وأداة رئيسية من أدوات المعركة.
وأصبحت اليوم وسائل الإعلام الحديثة، مركز صراع بين المواطن وصنّاع القرار على المستوى المحلي والوطني، فمن يملك الإعلام أكثر يملك الغلبة، وأضحت السّلطات تعتمد بشكل كبير عليها لتحقيق أهدافها وتنفيذ استراتيجيتها على الصّعيد الداخلي، وكسب الرأي العام لمصلحتها، في إطار لعبة الكرّ والفرّ بين صفحات التواصل الاجتماعي لسكان المناطق الداخلية، وصفحات خاصة بصنّاع القرار المحلي من أجل كسب معركة الإعلام واستخدامها كورقة لصالحها، وتستمر تلك اللعبة، إن كانت تعتمد على الشّفافية والمصداقية طبعا، أمّا وإن وقعت تلك الصّفحات في “أيادٍ غير آمنة”، فإنّها ستتحوّل إلى ورقة “ضغط للحصول” على مكاسب مالية عن طريق استعمال الاستفزاز، وهو ما يجب أن يُضبط من قبل المسؤولين على قطاع الإعلام في البلاد، لتطهير الفضاء الأزرق من مرتزقي الإعلام، وتركه لأصحاب “النّوايا الحسنة” لتقديم خدمة للمواطن الذي يعد الحلقة الأضعف في هذه المعركة.
إنّ تطوّر الإعلام التّنموي سيعود بالفائدة على كل مناحي الحياة، مناحي سياسية واجتماعية واقتصادية في البلاد، ويساهم في تحقيق التقدم الذي تصبو إليه كل الأمم، لذلك فهو اللّبنة الأساسية نحو بناء جزائر جديدة، يصبح المواطن فيها بديلا عن الإعلام.
زغلامي: “لا تنمية من دون إعلام”
يرى أستاذ الإعلام العيد زغلامي، أنّ “الإعلام هو جزء من المجتمع، ومن مؤسّساته، بما فيها على المستوى المحلي الوطني الإقليمي أو الدولي، ما يصطلح على تسميته بالبيئة الإعلامية، فكل أشكال وسائل الإعلام، سواء كانت وسائل إعلام تقليدية أو رقمية أو الشّبكات الإجتماعية، الإذاعة والتلفزيون وصحافة مكتوبة، هي جزء من الحياة في جميع نشاطاتها الإقتصادية، الإجتماعية، السياسية وغيرها من النّشاطات التي تميّز بها الإنسان”.
ويعرّف زغلامي الإعلام التّنموي بالقول “هو الذي يسلّط الأضواء على كل البرامج والنّشاطات والمشاريع التي تصبّ في تنمية البلد، ثم الاستفادة من ثمار التنمية”، فالأساس ـ في اعتقاد زغلامي – أنّه لابد لوسائل الإعلام أن تكون جزءاً من النّشاط، خاصة إذا كان لديه قيمة إضافية للمجتمع، وهو ضرورة المرافقة لكل نشاط يعود بالفائدة على المجتمع وتنوير الرأي العام حول النشاطات التي تهمّه، فالمواطن البسيط يريد معرفة ما يحدث في بيئته القريبة، سواء في قريته أو بلده أو مدينته، وبالتالي ومهما كانت المستويات فهو يبحث عن المعلومة، التي هي جزء من حياته الطبيعية.
وتستفسر “التنمية المحلية” زغلامي حول وجود إعلام تنموي “حقيقي” في البلاد، ليجيبها بالقول “الإعلام المحلي موجود من خلال الصّحافة ومحطات الإذاعة المحلية، ووجود هذه القنوات على المستوى المحلي يساهم في التنمية المحلية، وهي في علاقة متواصلة مع الجماعات المحلية، حيث يتمثّل دورها في وضع جسور التواصل بين المواطن وممثّليه، ومؤسّسات الدولة، وأكثر من هذا بين المواطن والمؤسّسات الاجتماعية، السياسية والرياضية وغيرها، فلا يمكن أن تكون تنمية من دون إعلام، لأن هدف التنمية هي تلبية رغبات المواطن، فالمواطن من جهة يساهم في العملية التنموية، ومن جهة أخرى يستفيد من هذه التنمية لتحسين ظروفه المعيشية، فعلى وسائل الإعلام الترويج لأي برامج أو نشاط على المستوى المحلي.
هل سجّل الإعلام التّنموي أهدافا؟
يأخذنا الحديث مع زغلامي إلى الحديث عن مناطق الظل، فنسأل الأستاذ حول إذا ما كانت لوسائل الإعلام دور في الوصول إلى مناطق الظل، فيجيب “الإعلام بحكم وظيفته الأساسية ضمان الخدمة العمومية، فهو يملك وظيفة إعلامية، إخبارية، تربويّة، تحسيسيّة وترفيهية، دور الإعلام أن يكون متواجدا حيث تتواجد الحياة، ومن هنا وجب حصول كل مواطن على حقّه في الإعلام، بحكم توفير الخدمة العمومية والصالح العام، وعلى عاتق وسائل الإعلام أن تروّج للتّنمية، وعلى المواطن أن يشارك في العملية من خلال اتصاله مع وسائل الإعلام”.
ليعلّق على الموضوع بالقول “لا أريد تسمية تلك الأماكن بمناطق الظل، بل هي المناطق التي حرمت من الاستفادة من التنمية في وقت مضى، حيث كنّا نتكلّم عن التّوازن الجهوي، وهو الذي يتمثّل في استفادة كل جهة من ثمار التنمية سواء كانت في الشّرق، في الجنوب، في الشمال والغرب، ولأنّ العملية لم تعمّم على كافة مناطق البلد، ظهرت مناطق الحرمان، البؤس والفقر، وحان الأوان لتلك المناطق التي تمّ إقصاؤها، وتهميشها لتسليط الضوء عليها حتى تستفيد من برامج التّنمية شأنها شأن كل بلديات الجزائر”.
شبكات التّواصل ورقة ضغط عوض الاحتجاجات
هل تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق تنمية محلية تحقّق أحلام سكانها؟ يجيب زغلامي عن سؤال “التنمية المحلية” بالقول: “السّؤال المطروح يبقى على عاتق من يروّج لها، لأنّ القضية تتمثّل في وسائل ووسائط، وهي فرصة سانحة للمواطنين في ظل غياب وسائل الإعلام الثقيلة من إذاعة وتلفزيون، وفي عدم حضور وسائل الإعلام التقليدية، ممكن أن يعبر المواطن عن رأيه أو انشغالاته عن طريق مساهماته في هذه الشبكات، التي تتحول إلى فضاءات للتعبير بطريقة حضارية، دون أن يستعمل فيها السبّ والشتم وكل ألفاظ العنف، وهي كباقي وسائل الإعلام، فقط أن نحترم القواعد الأخلاقية والقيم، حتى في طريقة تعاملنا نقوم باحتجاجات بطريقة سلمية، فعوض أن يكون غلق الطريق بطريقة نستعمل الشبكات كورقة ضغط، للتحسيس وللتعبير، ومن هنا فالمهم أنّ كل مواطن مطالب بأن يعبّر عن رأيه، ويوجّه رسائل إلى الجهات المختصّة ولمؤسّسات الدولة”.
ليضيف “فالعديد من مؤسّسات الدولة اليوم، لها رصيدها من تلك الوسائل الاجتماعية، سواء فيسبوك أو تويتر، وهو أمر مهم جدّا”.
إنّ تقييم أداء الإعلام التّنموي يحتاج الكثير، وحول ذلك – يقول -زغلامي “الإعلام الوطني مرتبط بالمستوى الاجتماعي والسياسي، هناك أعداد هائلة من وسائل الإعلام، وعلينا أن نحسن من المضمون ونرقى به، ونعبرّ من خلاله على انشغالات واهتمامات المواطن، حتى يساهم في العملية التنموية من خلال الإدلاء برأيه وتقديم شكاوى واحتجاجات بطريقة حضارية، حيث يفتح حوار ونقاش بين كل الأطراف المعنية”.