تحوّلت مستغانم أو “مسك الغنائم” أو لؤلؤة البحر الأبيض المتوسّط، في السّنوات الأخيرة إلى قطب سياحي وترفيهي بامتياز بفضل شريطها السّاحلي المتميّز برماله الذّهبية الشّاسعة، وتوفّرها على مؤسّسات فندقية من الطّراز العالي، إلى جانب حظيرة التّسلية والحيوانات “موستا لاند” وحديقة الألعاب المائية “خروبة أكوابارك” وغابات التّرفيه والاستجمام، ضف إلى ذلك أضرحة أولياء الله الصّالحين والموروث الثّقافي الذي تزخر به الولاية، ما جعلها قبلة سياحية بامتياز تستهوي الزوار لما توفّره من وسائل الرّاحة والهدوء.
تتوفّر ولاية مستغانم على مؤهّلات ومقوّمات سياحية هامّة ومتنوّعة، تسمح لها بتنمية وترقية عدّة أنواع من السياحة الشّاطئية، الثّقافية، الدّينية، الغابية وغيرها، لكن تعتبر السياحة الشّاطئية الرّائدة في الولاية بحكم الشّريط الساحلي الذي يمتد طوله على أكثر من 124 كلم، والممتد من شاطئ سيدي منصور غربا إلى شاطئ بحارة ببلدية أولاد بوغالم شرقا، ويتوزّع على 10 بلديات ساحلية. ويتميّز ساحلها بشساعة شواطئه وجمال رمالها الذّهبية الصّافية وعدم عمقها، وكذا محاذاتها للغابات ولمرتفعات الظهرة الشّامخة الممزوجة بالهدوء والأمان، ممّا زادت تلك الشّواطئ روعة وجمالا، أين جعلتها تستقطب عددا من المصطافين، حيث بلغ خلال موسم الاصطياف أكثر من 4326170 مصطاف، بهدف إبراز تلك المقوّمات تمّ تصنيف 16 منطقة للتّوسّع السياحي بمساحة إجمالية قدرها 4724.8 هكتار.
“صابلات” أكثر استقطابا للمصطافين
صنّف شاطئ “صابلات” ببلدية مزغران من بين أهم الشّواطئ التي تعرف استقطابا كبيرا للمصطافين بحكم موقعه الجغرافي، فهو يبعد عن المدينة بـ 5 كيلومترات فقط، وكذا توفّره على هياكل ومنشآت سياحية معتبرة من فنادق وشاليهات ومحلات تجارية، ممّا جعله قبلة للمصطافين القادمين من مختلف ولايات الوطن والمغتربين الذين يفضّلون قضاء عطلتهم الصّيفية بشواطئ مستغانم لما توفّره من أمان ووسائل الراحة، ويمكن أن يستوعب الشاطئ ما يصل إلى 5000 مصطاف.
وفي هذا الصدد، يوضّح رئيس بلدية مزغران، طويل الناصر، لـ”التنمية التحلية”، أنّه تمّ ضبط كل الأمور والتّرتيبات اللاّزمة، بتسخير كل الإمكانات المادية والبشرية لاستقطاب أكثر من 8 ملايين مصطاف تقريبا خلال الموسم الحالي، وذلك بهدف إنعاش القطاع السياحي وتدارك النّقص المسجّل خلال السنة الفارطة وتثمين مداخيل البلدية.
ويشير المتحدّث إلى أنّ البلدية تضم كل من شاطئ صلامندر ابتداءً من محور الدوران “الدلافين”، “لاكريك”، “الصابلات” و”اوريعة”، كما تحتوي على 6 شرفات مطلّة على البحر مجهّزة بكراسي ومواقف للسيارات ممتدّة على طول 7 كيلومترات.
ويكشف طويل الناصر عن استغلال هاته الشّرفات، وفتحها أمام التجار الشباب من خلال وضع أكشاك وعربات قهوة وأكل متنقّلة شريطة أن تكون بمواصفات جيّدة لإضفاء جمالية على الواجهات البحرية.
أمّا بالنسبة لأصحاب الشّمسيات الذين يحتلون الشّواطئ في كل موسم اصطياف، فيؤكّد رئيس البلدية اتّخاذ كل الإجراءات اللازمة للحد من هذه التّصرّفات التي تجعل من الشاطئ مكانا خاصا وليس مجانيا لكافة الشّعب، وذلك من خلال تخصيص مساحة في مدخل الشاطئ لوضع كل المستلزمات من طاولات وكراسي لكرائها.
إضافة إلى تسخير لجنة لمراقبة ومتابعة مدى تطبيق التّعليمات عبر مختلف شواطئ البلدية، كما تكون لديها علاقة مع المصالح الأمنية، الحماية المدنية وكذا البلدية، يضيف المتحدّث.
كما تزخر الولاية بشواطئ خلاّبة على غرار عين إبراهيم، الميناء الصغير، الفنار، أوريعة، شليف، سيدي منصور وكلوفيس، ممّا يتيح لك إمكانية التزحلق على الرمال، وممارسة رياضة الدراجات، والعديد من الأنشطة الشّاطئية التّرفيهية الممتعة.
…حين تجتمع أصالة المعالم بجمال الطّـبيعة
إلى جانب السياحة الشّاطئية، تزخر “مسك الغنائم” بموروث تاريخي وثقافي عريق، ناتج عن تعاقب الحضارات عليها نظرا لموقعها الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسّط، ممّا جعلها تشهد زخما ثقافيا ومن أهم الأماكن السياحية في الجزائر، كما أضحت قبلة للزوار من شتى ربوع الوطن ومن خارجه، ومن بين أهم المعالم التاريخية برج محال، برج الترك، المسجد المريني، ضريح الباي بوشلاغم، منارة كاب ليفي وغيرها.
كما تشهد الولاية زخما ثقافيا متنوّعا لاحتوائها ثلّة من عمالقة الفن، الذين كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في تاريخ الفن الجزائري أمثال المسرحي “عبد الرحمن كاكي” والفنّان التّشكيلي “محمد خدة”، إلى جانب مطربي الفن الشعبي الأصيل أمثال “معزوز بوعجاج”، إضافة إلى تنظيم العديد من المهرجانات الثّقافية كمهرجان مسرح الهوّاة، جائزة محمد خدة للفن التشكيلي والفن البدوي والشّعر الملحون وغيرها، إلى جانب إحياء سهرات فنية طيلة موسم الاصطياف.
وتعد السياحة الدينية في المدينة سياحة رائجة تستقطب أعدادا كبيرة من السياح المحليّين والوافدين من مختلف البلدان للاستمتاع بزيارة المعالم الدّينية في غاية الجمال، ولعل أبرزها ضريح الولي الصالح “سيدي لخضر بن خلوف”، الذي يعد تحفة معمارية تزيّنه النّخلة الشّامخة المنتصبة الممتدة إلى قبره، حيث يتوافد الزوار إلى مقامه للتّبرّك به، ضف إلى ذلك الزّوايا الحاضنة للعديد من “الطرق والزوايا” منها “الزاوية العلوية”، “الزاوية السنوسية” و”الزاوية التيجانية”، وغيرها من الزوايا التي تحفظ لهذه المدينة طابعا تاريخيا وسياحيا يتطلّع العديد من الباحثين إلى الاستثمار في مكنوناتها الأصيلة، إلى جانب “جنّة العريف” أين تقام بها محاضرات ودورات تكوينية.
من ناحية أخرى، تتميّز الولاية بطابع فلاحي وتكتسي غطاءً غابيا معتبرا ما عزّز قدراتها في السياحة الرّيفية والغابية، عن طريق تنظيم جولات لغابات الاستجمام كغابة بورحمة، غابة كاب إيفي. إلى جانب السياحة الرّياضية والتّرفيهية، تتوفّر مستغانم على عدد مهم من الهياكل الرياضية التي تشهد تنظيم منافسات رياضية محلية، وطنية ودولية، مثل ملعب التنس بصلامندر، المركب الرياضي AZ، كما أنّ حظيرة التسلية والترفيه “موستا لاند” بخروبة شكّلت وجهة سياحية وترفيهية تقصدها العائلات باستمرار على مدار السنة، لتوفّرها على ما يزيد عن 20 لعبة تتلاءم مع جميع الفئات العمرية، ويوجد بها أيضا غابة طبيعيّة للتّنزّه، وبها ساحة للعروض المسرحية والفنية ومطاعم وخيمات للشاي، إلى جانب حديقة الألعاب المائية “أكوابارك”.
مؤسّـسات فندقيـّة بمواصفات عالميـّة
تضم الحظيرة الفندقية بولاية مستغانم 33 مؤسّسة سياحية، من بينها 17 فندقا و11 إقامة عائلية بطاقة استيعاب 4043 سرير، في انتظار دخول مؤسّستين فندقيتين حيّز الاستغلال بعد استكمال الإجراءات الإدارية، حيث ستعزّز الحظيرة الفندقية بـ 360 سرير مع توفير 50 منصب عمل، هذا إلى جانب تسجيل 19 مشروعا سياحيا في طور الإنجاز، 03 انتهت بها الأشغال، و03 مشاريع سياحية في إطار التوسعة، و11 مشروعا سياحيا لم ينطلق بعد إلى جانب 05 مشاريع متوقّفة.
وهو ما يبشّر بمستقبل زاخر للولاية، حيث تسعى السّلطات المحلية إلى الارتقاء بها إلى مصاف المدن السياحية الكبرى المتميّزة بعصرنة مرافقها.
وفي هذا السياق، تعتبر فنادق مجموعة “AZ” فئة الـ 5 نجوم من أفضل الفنادق على مستوى الولاية، لما تقدّمه من خدمات راقية ومتنوّعة بمقاييس عالمية، إلى جانب المركب السياحي “زينة بيتش”، الذي يبعد بحوالي 25 كيلومترا شرق الولاية، وهو منتجع صحي فئة الـ 5 نجوم، يحتوي على شقق مجهّزة بأحدث الديكورات، وبإطلالات رائعة على البحر.
تحضيرات مكثـّفة للنـّهوض بالقطاع السياحي
لإنجاح موسم الاصطياف لسنة 2021، سخّرت السّلطات المحلية لولاية مستغانم كل الإمكانات اللاّزمة لاستقطاب عدد أكبر من المصطافين، ولتدارك الخسائر الكبيرة التي تكبّدها قطاع السياحة جرّاء انتشار فيروس كورونا، الذي أدّى إلى الغلق الاحترازي للمؤسّسات السياحية والفندقية، وتعليق نشاطات فضاءات التسلية والترفيه ووكالات السياحة والأسفار، ممّا انعكس سلبا على الحركية الاقتصادية والتجارية للولاية.
ومن هذا المنطلق، تمّ التحضير للموسم الحالي في وقت مبكّر بدءاً من شهر فيفري من خلال عقد عدّة اجتماعات برئاسة الوالي عيسى بولحية، أين تطرق إلى مجموعة من النّقاط التي عولجت على غرار توفير الإنارة العمومية على مستوى كل الشّواطئ مع تدعيم تهيئتها وتجهيزها، تدعيم طاقة الإيواء الجمالية، تهيئة الطّرقات والواجهات البحرية والأحياء من أجل تحسين المظهر الحضري للبلديات لاستقبال المصطافين في أحسن الظّروف، ضف إلى ذلك تحسين الخدمات السياحية لاسيما تلك التي لها صلة بالنّظافة وحماية الصحة والأمن المرتبطة بالنشاط السياحي.
وفي هذا الإطار، تمّ إنشاء لجنة ولائية تعمل على قدم وساق لتدارك الّنقائص الموجودة عبر شواطئ الولاية، والتي قامت بخرجات ميدانية وقدّمت بطاقات فنية على وضعيات الشّواطئ، مع تسجيل الملاحظات والوقوف على مدى جاهزيتها وأهم احتياجاتها، مع إلزام البلديات السّاحلية بالشّروع في التهيئة بعد رصد الأغلفة المالية المخصّصة للشواطئ، والمقدّرة بـ 100 مليون سنتيم لفائدة البلديات السّاحلية من أجل توفير الجو الملائم للمصطاف، حسب ما كشف عنه المدير الولائي للسياحة والصناعة التقليدية والعمل العائلي، عبد السلام منصور.
وأوضح المتحدّث لـ”التنمية المحلية”، عن رفع عدد الشّواطئ المسموحة للسّباحة لموسم الاصطياف إلى 42 شاطئا لاستقبال المصطافين في ظروف جيّدة، مع توفير كل التّجهيزات الخاصة بالشّواطئ فيما يخص 53 مرشا و42 خاصا بموقف السيارات إلى جانب 47 محلا تجاريا، مع أخذ جملة من التّدابير والإجراءات الاحترازية من أجل تحسين ظروف العمل لإنجاح موسم الاصطياف لهذه السنة..
وعرفت شواطئ الولاية الممتدة على مسافة 124 كيلومتر توافدا قياسيا للمصطافين لسنة 2019، أكثر من 10 ملايين مصطاف على الشّواطئ مقارنة بسنة 2020 التي جاءت في ظرف صحي استثنائي، وبالرّغم من ذلك سجّلت خلال شهر واحد توافدا نوعيا قارب 50 في المائة مقارنة بسنة 2019، كما استقبلت مواقع التسلية والتّرفيه وغابات الاستجمام نفس النّسبة التي عرفتها الشّواطئ.
كما استقبلت حظيرة التسلية “موستا لاند”، 718070 زائر خلال سنة 2019 و313947 سنة 2020، أمّا غابات الاستجمام والترفيه سجّلت 115355 زائر لسنة 2019 و14400 زائر لغابة كاب إيفي والحرية سنة 2020.
وعرفت حديقة الألعاب المائية “خروبة أكوابارك” زهاء 21 ألف زائر، إضافة إلى تخصيص 7 مساحات خضراء على مستوى الشّريط السّاحلي للولاية.
أمّا بالنّسبة للتّوافد على المؤسّسات الفندقية، عرفت طاقة الاستيعاب خلال شهر تقريبا ثلث التوافد بالنسبة لسنة 2019 التي عرفت توافدا كبيرا، يضيف مدير السياحة والصناعة التقليدية، إلى جانب إبرام العديد من الاتّفاقيات مع مختلف القطاعات على غرار التّكوين والتعليم المهنيين، الثّقافة، الشباب والرياضة، الصيد البحري، الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية وغيرها في إطار الشّراكة وتبادل الخبرات والمعارف.
زيادة عدد الوكالات السياحية
إلى جانب تسجيل زيادة في عدد الوكالات السياحة على مستوى الولاية من 48 وكالة ما بين 2019 و2021 إلى 64 وكالة، والعدد مرشّح للارتفاع، إضافة إلى 10 ملفّات قيد الدّراسة على مستوى الوزارة الوصية تنتظر استلام الاعتماد. هذا وتكبّدت الوكالات السياحية خسائر كبيرة بسبب تداعيات فيروس كورونا ممّا أدّى إلى تعليق الرّحلات الجوية والبحرية، ولاسيما رحلات الحج والعمرة وإلغاء الحجوزات في الفنادق سواء في الداخل والخارج.
كما تعمل مصالح مفتشية السياحة على مراقبة ومتابعة عمل وكالات السياحة المعتمدة، والحرص على التّطبيق الصّارم للنّصوص القانونية التي تحكمها، خاصة شروط الاستغلال والخدمات المقدّمة على مستوى هذه الأخيرة.
مناصب شغل مفتوحة لعمـّال موسميـّين
بالنّسبة لمناصب الشّغل المفتوحة في موسم الاصطياف الجاري، فتحت المؤسّسات الفندقية 1409 منصب شغل و132 منصب خاص بالوكالات السياحة والأسفار، ناهيك عن تسخير 400 عون موسمي لحراسة الشواطئ و320 عون للنظافة، منهم 199 عون على مستوى الشّواطئ، أما الباقي على مستوى أحياء الولاية، فيما بلغ عدد الحاويات على مستوى الشّواطئ 198 حاوية.
فيما يخص قطاع النقل، تمّ تخصيص 20 بالمائة من الحظيرة المستغلّة لنشاط النقل العمومي للمسافرين من أجل تغطية خطوط النقل الصيفي نحو الشّواطئ، خاصة خلال نهاية الأسبوع، وهذا من مراكز البلديات والدوائر الكبرى، حيث بلغ عدد الخطوط 84 خطّا و619 عدد الناقلين، فيما قدّر عدد الحافلات بـ 679 لـ 22417 مقعد، بالإضافة إلى توفير الأمن والحماية بتسجيل 40 مركزا خاصا بالحماية المدنية والدرك الوطني، إلى جانب مركزين للأمن الوطني.
كما تمّ بالمناسبة تفعيل مسابقة أجمل شاطئ لخلق جوّ تنافسي يساهم في تقديم أحسن الخدمات في هذا الموسم، ولذا تسعى العديد من البلديات السّاحلية على التّميّز لتكون مدينة سياحية بكل المقاييس، من خلال الاستغلال الرّشيد لجميع إمكاناتها الطّبيعية للظّفر بالمسابقة.
نشاطات ثقافيـّة وترفيهيـّة لإحداث حركيـّة وديناميكيـّة
من أجل إحداث حركية وديناميكية خلال موسم الاصطياف، سطّرت مديرية السياحة برنامجا ثريّا يتمثّل في خلق فضاءات للتّرويج للمنتجات الحرفية، خاصة على مستوى الشّواطئ من أجل التّعريف بالمنتوج التّقليدي الجزائري عبر الواجهة البحرية لصلامندر، صابلات وسيدي المجدوب من خلال 45 عرضا على فترات دورية خلال الموسم، وبمشاركة ما يقارب 150 حرفي عارض، هذا إلى جانب التّنسيق مع العديد من القطاعات في إحياء مختلف المناسبات الوطنية، العالمية الثّقافية والبيئية وكذا المشاركة في التّظاهرات الثّقافية، الدينية والتّاريخية، بالإضافة إلى تنشيط حصص إذاعية حول القطاع على مستوى الإذاعة المحلية لمستغانم، وتنظيم عمليات تحسيسية وتوعوية حول أخطار البحر والسباحة في البرك والمجمّعات المائية.
ويشكّل قطاع السياحة بولاية مستغانم أحد أهم القطاعات المعوّل عليها للمساهمة في رفع النّمو الاقتصادي، لذا تسعى السّلطات المحلية جاهدة لتنمية هذا القطاع وتطويره لتحقيق ما يعرف بالصّناعة الحقيقية للسياحة.