تحتفل الجزائر اليوم الأربعاء بالفاتح من يناير 2972، أول يوم من السنة الأمازيغية، الموافق لـ 12 جانفي الموافق هذه السنة تاريخ ذو دلالة كبيرة يٌحييه المجتمع الجزائري برمّته بعادات وتقاليد مختلفة.
غرداية.. احتفالات بهيجة وفق تقاليد وطقوس متوارثة
يشكل الاحتفال بيناير، رأس السنة الأمازيغية الجديدة بغرداية، منذ قرون من خلال ممارسة طقوس وفق تقاليد عريقة احتفظت بها العائلات في المنطقة مع مرور الزمن بكل اعتزاز، والتي ظلت مناسبة اجتماعية راسخة في عادات سكان منطقة مزاب، تقاوم التحولات التي يشهدها العصر.
وعادة ما يحتفل سكان منطقة مزاب برأس السنة الأمازيغية الجديدة ليلة 6 إلى 7 يناير، من كل سنة على أسس مرجعية ذو بعد مرتبط بالأرض والأنشطة الزراعة، إذ كانت المورد الأساسي لحياة الفلاحين في المنطقة. يعتمد على دورات مختلفة للنباتات اذ يعلن عن انطلاق الموسم الشتوي للسنة الفلاحية بهذه المنطقة التي تتميز بمناخها الجاف.
وبالنسبة لسكان هذه الواحات والقصور العتيقة، فإن الاحتفال بيناير الذي يتزامن مع نهاية حصاد وجمع الغلال الفلاحية، ويشكل خطوة هامة لمراجعة الوضع البيئي للواحات والبساتين وأشجار النخيل المثمرة، والإعلان عن بدء عملية الرعاية والعناية بمختلف المزروعات، والأراضي الزراعية.
والغرض من هذه العملية هو التخلص من النخيل الجافة وغيرها من الأشجار المتلفة، ومكافحة نمو الأعشاب الضارة وكذا السيقان الطفيلية وبقاياها، وتقليب التربة للسماح لها بالتهوية وتعرضها للشمس لقتل الطفيليات فيها.
كما تشمل هذه العملية كذلك ترميم السواقي التقليدية وغيرها من شبكات تقسيم مياه سقي واحات النخيل، إذ يتم توزيع المهام داخل الأسرة في ظل عدم وجود قوة عاملة وندرتها لصيانة ومراقبة النشاط الزراعي في بساتين النخيل وترميم ما يجب ترميمه، مع تقليب الأرض وكذلك عملية توزيع مياه ري بساتين النخيل، حسب ما توارثته العائلات بالمنطقة.
وللاحتفال باستقبال السنة الأمازيغية الجديدة تتهافت العائلات بغرداية على إعداد الطبق التقليدي “ارفيس” وهو الطبق الذي لا يستغنى عنه في إحياء مناسبة إنار.
“ارفيس” طبق محلي لا غنى عنه
يعد طبق ”ارفيس” من عادات الطبخ المتوارثة في أوساط المجتمع بميزاب، والذي يعد مشهدا رئيسيا في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة، ويتم تحضيره بشكل أساسي من السميد والسكر يدهن بالسمن، ويتم تزيينه بالزبيب، ويكون الطبق مرصع بحبات البيض المسلوق، ويقدم بعد تجهيزه مع الحليب.
ويجمع هذا الطبق العائلة الكبيرة في جو عائلي دافئ تتخلله كؤوس الشاي الذي لا غنى عنه في هذه المناسبات والاجتماعات. وتعقب هذه الإحتفالية تلاوة فاتحة الكتاب والتضرع إلى المولى عز وجل ورفع أكف الدعاء في أن يجعل السنة الجديدة غنية بالمنتجات الفلاحية والموارد المائية.
وتختم أمسية يناير في وادي ميزاب في أجواء عائلية حميمية، تجتمع النسوة لممارسة ألعاب تقليدية تسمى “ألاون”، وهي لعبة نسوية تشبه ”البوقالة” الجزائرية، بينما يتوجه الرجال والأطفال للاحتفال في أجواء بهيجة تصنعها مشاهد فرق البارود والفولكلور الشعبي بغرداية وسط طلقات البارود.
كما يحتفل الأطفال في كل سنة بيناير على طريقة الأجداد وبنفس الحماس والاعتزاز، وأيضا بنفس مشاعر التأمل والأمل بسنة جديدة مليئة بالسلم والرفاهية، إذ تبرمج العديد من التظاهرات الاحتفالية بالمناسبة، بمبادرات لمختلف الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني، وكذا المؤسسات التربوية بولاية غرداية بغرض غرس في أوساط الأطفال والمتمدرسين تاريخ وثقافة الجزائر بشتى تنوعاتها الثقافية والتراث والقيم والتقاليد الأمازيغية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الثقافة الوطنية بمختلف تنوعاتها.
جامعة بومرداس تبادر ببرنامج هادف ومتكامل
سطرت جامعة امحمد بوقرة بولاية بومرداس إلى جانب عدد من الهيئات والمراكز الثقافية والفكرية، برنامجا احتفاليا خاصة بمناسبة يناير رأس السنة الامازيغية الجديدة، ارتبطت بعادات وتقاليد المجتمع الجزائري الضاربة في عمق التاريخ، وتترجم سنويا تجمع العائلات وحرصها على إحياء الفعالية بأنشطة متنوعة وأطباق ترمز إلى هذا الترابط الاجتماعي، مع ذلك تبقى التظاهرة بحاجة الى تنسيق وتكامل تماشيا مع البعد الوطني للحدث.
رفعت جامعة بومرداس هذه السنة الغطاء عن كل المظاهر العشوائية التي كانت تميز فيما سبق طريقة الاحتفال برأس السنة الامازيغية بمظاهرها شبه الفوضوية تقريبا وبعيدة عن التأطير، وسحبت البساط تحت أرجل بعض الجمعيات التي احتكرت هذه المناسبة الوطنية. وفرضت منطقها وبرنامجها الثقافي على السلطات المحلية في عدد من البلديات، بالنظر إلى عجز هذه الأخيرة في تقديم برنامج احتفالي متكامل وجامع يعكس البعد الاجتماعي والتاريخي لهذه المناسبة الوطنية، التي تجتمع تحت مظلتها كل العائلات الجزائرية.
وحرصا منها على إعطاء المناسبة بعدها الفكري والأكاديمي داخل قالب اجتماعي تاريخي، قدمت مصلحة النشاطات الثقافية لجامعة بومرداس بالتنسيق مع مديرية الخدمات الجامعية برنامجا ثريا بالأنشطة لفائدة الطلبة والجمهور العريض، على مدار ثلاثة أيام. حيث كانت الانطلاقة بقاعة المحاضرات الكبرى بتقديم جملة من العروض الفنية والثقافية جاءت بدايته بعرض “كورال” للأطفال بالزي التقليدي، إضافة لروبورتاج حول التراث الامازيغي، عروض مسرحية وأمسية شعرية.
وضم البرنامج أيضا معارض للألبسة التقليدية والحلي، صناعة الفخار، معرض يبرز نشاط إنتاج الزيتون وزيت الزيتون واهم أنواع المعدات الفلاحية المرتبطة بيناير وعلاقته القويية بالأرض والرزنامة الفلاحية الامازيغية، معرض للفنون التشكيلية ومسابقات شعرية وأخرى لأهم الأطباق التي تشتهر بها المنطقة وتتوارثها الاجيال.
وحرصت مديرية النشاطات الثقافية أيضا على برمجة عدد من المداخلات من تنشيط أساتذة باحثين مختصين في الدراسات الاجتماعية، في محاولة لإبراز الجوانب التاريخية للثقافة الأمازيغية ومدى عمقها في المجتمع الجزائري الذي لا يزال مرتبط بهذه العادات التقليدية من خلال مظاهر الاحتفال السنوي أقلها اجتماع العائلة حول طبق الكسكسي الذي يرمز لمناسبة يناير.
مقابل هذا، تركت مديرية الثقافة لبومرداس حرية المبادرة لبعض الجمعيات الثقافية المناسباتية لتقديم برنامج على مقاسها دون إعداد برنامج ولائي شامل لتنسيق النشاط بما يخدم التظاهرة التي تحمل دلالات اجتماعية ثقافية، خاصة وان هذه الثقافة هي اليوم بأمس الحاجة إلى كل إضافة فكرية ودراسات اكاديمية تساهم في إثراء المشهد والعمل على ترقيتها مستقبلا سواء من حيث اللسان أو كفكر وسلوك ممارس وثقافة حاضرة منذ عقود لدى الفرد الجزائري.
طبق الشرشم يزين مائدة العائلات المستغانمية
باشرت العائلات المستغانمية التحضيرات المواكبة للاحتفال بيناير أو كما تسميه “الناير” منذ أسبوع، والذي يعد تقليدا مهما تعكف على الاحتفاء به كموروث ثقافي أصيل.
تقمن النسوة على إعداد طبق “الشرشم” سيد المائدة في هذا اليوم، حيث يتم تشميخ مكونات(الشرشم) في قدر من الماء يوما قبل طهيها والذي يتكون من القمح والحمص والفول، فضلا عن “الدراز” وهي كلمة من أصل تركي تعني الخيرات في إشارة إلى أنواع الفواكه الجافة والمكسرات والشكولاطة.
بحيث تتزين مائدة العائلات المستغانمية بأطيب المكسرات (اللوز والجوز والبندق …) الفواكه المجففة (وعلى وجه الخصوص التين)، والفواكه الموسمية الطازجة مثل البرتقال والتمر فضلا عن تحضير حلوى “الكعك” و “السفنج” مع الزبيب المجفف، ويزين هذه المجموعة البهية الحلويات الشهية مثل الشوكولاطة، حلوة “النوجا”، وحلوة الشام اللذيذة والحلويات الأخرى، ويرافق كل هذا الشاي.
وكانت الأمهات تخيط قبل بضعة أيام من الاحتفالات بـ “الناير” بعض الأكياس الصغيرة للأطفال الذين لا يستطيعون أكل كل الأشياء في تلك الليلة، والذين سينخرطون عن طيب خاطر في المقايضة للأشياء غير المرغوب فيها في اليوم التالي، ولكن الملاحظ اليوم أن أكياس القماش اختفت خلال السنوات الأخيرة واستبدلت بأكياس بلاستيكية بسيطة.
كما كان يفرض التقليد أيضا أن يتم تثبيت أصغر فرد من أفراد العائلة في إناء خشبي كبير يسمى “القصعة” أو “الميدونة” وهي حاوية كبيرة مصنوعة من نبات الحلفاء، ثم يتم سكب كل مزيج الفاكهة أو ما يسمى “الدراز” على رأس الطفل الصغير برفق، وذلك دلالة على حالة تأهب دائم للثراء المستقبلي حيث الخرافة كانت مهمة جدا في العصور القديمة.
وأصبحت عبارة “أسقاس أمقاز” وهي تعبير أمازيغي يعني “سنة جديدة سعيدة” التعبير الأكثر انتشارا في بداية العام بين الجزائريين، سواء بين الأفراد أو على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تبعتها موجة من بطاقات التهنئة والصور وغيرها من الأشكال التي من خلالها يمكن تمييز الهوية الأمازيغية.
تسطير برنامج ثقافي ثري احتفالا برأس السنة الأمازيغية
تم تسطير برنامج ثقافي ثري ومتنوع احتفالا بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2972، على مستوى الغابة الترفيهية برحمة ببلدية بن عبد المالك رمضان، بمشاركة قطاعات السياحة، الثقافة والفنون، الشباب والرياضة، النشاط الاجتماعي، ومديرية التربية وسط أجواء تقليدية مما يميز العادات والتقاليد المعهودة لدى العائلات المستغانمية، وبحضور السلطات المحلية.
تخلل برنامج الاحتفالية عدة معارض للباس التقليدي، والأكلات والأطباق الشعبية والأواني التقليدية، من أجل إحياء وتثمين التقاليد العريقة التي توارثتها الأجيال عبر أزمنة مختلفة، لما تجسده من قيم الهوية الوطنية.
وبالمناسبة تم تسليم رخص الاستغلال للمستثمرين في القطاع السياحي من بين 61 مستثمر سُويت وضعيتهم بعد القرار الرئاسي لرفع القيود عن المستثمرات الجاهزة، وستسمح هذه الاستثمارات في توفير 3000 منصب شغل جديد بعد دخولها حيز الخدمة.
النعامة.. عادات وتقاليد في طريق الزوال
انطلقت فعاليات الاحتفاليات بالسنة الامازيغية ” يناير ” بدار الثقافة احمد شامي لهذه السنة بتنظيم عدة نشاطات خاصة بهذه المناسبة.
وأشرف الوالي الدراجي بوزيان على افتتاح المعرض الوطني للصناعات والحرف التقليدية للحرفيين الذين قدموا من أكثر من 14 ولاية لعرض مختلف المنتوجات من ألبسة تقليدية، زرابي وافرشة تقليدية ، أواني فخارية ونحاسية، حلي وأكلات شعبية وحلويات تقليدية ، والذي يستمر إلى غاية 12 جانفي 2022.
حفل الافتتاح تميز باستعراضات فلكلورية من تنشيط عدة فرق موسيقية محلية، كما تم تنظيم حفل فني متنوع تضمن قراءات شعرية في الشعر الأمازيغي من القاء الشاعر بوزيد مصطفى، رقصات لفن الحيدوس لفرقة الوئام، حفل فني في الأغنية القبائلية وعرض فديو قصير حول التويزة بمنطقة عسلة.
وتم بهذه المناسبة تنظيم مسابقات منها مسابقة أحسن منتوج لصناعة الأجبان ومسابقة أحسن طبق تقليدي، كما تم بهذه المناسبة تكريم حرفيين مشاركين في هذه الاحتفالية.
وأكد ابراهيم هدي، مهتم بتاريخ المنطقة وأحد أعيان بلدية تيوت السياحية، أنها إعلان بداية السنة الفلاحية فهي يحتفل بها في 11 من محسب الذابح وهو محسب من محاسب السنة الفلاحية، والسنة الفلاحية مقسمة إلى 14 منزلة وكل منزلة بها 13 يوما.
ويتم بالمناسبة تقييم الموسم الفلاحي لكل فلاح اي الميزانية السنوية للسنة الماضية و توقعات ميزانية السنة القادمة . ولذلك تم توارثها من الاجداد فأصبحت مناسبة ينتظرها الجميع للاحتفال بها كل سنة .
الاحتفال بليلة العام بولاية النعامة له خصوصياته ولعل من أهمها ما تتطلبه مائدة العشاء خلال هذه الليلة والمتمثلة في الكسكس أو الطعام الغليظ أو ما يعرف في المنطقة بالمردود.
الطبق يحتوي على كل البقوليات الجافة، والأعشاب مثل الكليلة، والفطريات البدوية كالفقاع او الترفاس المجفف، والتمر منزوع النواة، ماعدا واحدة او اثنين حسب عدد افراد العائلة ومن بين المعتقدات انه من وجد هذه النواة او العلفة فهو ذو حظ.
وفي السهرة تزين المائدة بمختلف أنواع المكسرات والحلويات والفواكه الموسمية المتوفرة، ولإدخال الفرحة على الاطفال تقوم اكبر سيدة بالعائلة كالجدة او الام بوضع اصغر طفل وسط العائلة ويفرغ فوق رأسه كل الصحن الذي يحتوي على مخلط المكسرات والحلويات، وبعدها يتم توزيعها على الحضور .
عائلات سيدي بلعباس تحتفل بيناير رغم الغلاء الفاحش
اتجه أرباب العمل لاقتناء المكسرات، بالرغم من غلاء أسعارها وذلك لاجل ادخال الفرحة على الأطفال كما ان المناسبة مبعث للم شمل العائلة، غير ان الاحتفال يختلف من عائلة لاخرى، فالأقل دخلا يقومون بإقتناء حلويات و مكسرات و يفضلون المكوث في المنزل إحياءا للسهرة بين الأقارب.
ويفضل ميسورو الحال دعوة ذوويهم حول وجبة عشاء وفيرة، بينما تصنفه عائلات معوزة في خانة “اللاحدث” نظرا لظروفها المعيشية.
فكيف لرب عائلة ضعيف الدخل اقتناء المكسرات والفواكه الجافة بالاسعار التي بيعت بها مع حلول المناسبة، حيث بلغ سعر الجوز 1200 دينار للكيلوغرام، في حين وصل سعر اللوز 2000 دج بالنسبة للمقشر، و1000 دج بالنسبة للعادي.
أما الفول السوداني فقد بلغ سعره 400 دج و ذلك حسب الجودة و البندق بيع بـ 1000دج، والبلوط بـ 800 دج، والفسدق 2600دج، بينما بلغ سعر التمر 600 دج، والموز 320دج، والتفاح 450دج، والبرتقال 150دج.
ويلجأ آخرون الى شراء خليط من المكسرات والحلوى بسعر 300 دج لادخال الفرحة والسعادة على أطفالهم.
أما أسعار اللحوم البيضاء والحمراء فقد عرفت هي الأخرى ارتفاعا محسوسا، إذ ارتفع سعر لحم الضأن إلى 1500 دينار والدجاج إلى 410 دج، خاصة أن اللحوم البيضاء تدخل في تحضير بعض الأطباق التقليدية الخاصة بهذه المناسبة على غرار “الرقاق” و “البركوكس”، و كذلك تحضر ربات العائلات ما يسمى بالشرشم المصنوع من الحمص، القمح و الفول.
و أرجع معظم الباعة غلاء الأسعار إلى زيادة الطلب عليها، كلما اقتربت مناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية.