يواجه القطاع الصحي بولاية قالمة، عدة نقائص أثرت على تقديم خدمات لائقة تستجيب لمطالب المواطنين، الذين يناشدون المسؤولين توفير تغطية صحية لائقة، من خلال إنجاز مرافق واستغلال أخرى لا تزال مغلقة رغم انتهاء الأشغال بها.
أول ما يلفت انتباهك وأنت في مصالح الاستعجالات بمستشفى الحكيم عقبي، أنها لا تحمل أي صفة للاستعجال، فانتظار المريض في الرواق قد يدوم لساعات طويلة، وقد تتقاذفه المصالح بينها للتخلص من الضغط الذي تعاني منه مصلحة الاستعجالات ليلا..
ويعاني المواطن القالمي من سوء الخدمات في المؤسسات الصحية، سواء من حيث التسير والتأطير الطبي والعلاجي، أو في مجال نقص الوسائل الطبية، مما يؤدي إلى توجيه المرضى إلى عيادات خاصة لإجراء كشوفات طبية وإشعاعية وحتى تحاليل وغيرها، وكأن وظيفة المؤسسات الاستشفاىية هي فقط استقبال المرضى وتوجيههم.
وفي حديثهم لـ”التنمية المحلية” عبّر مرضى وافدين إلى قسم الاستعجالات الطبية بمستشفى الحكيم عقبي، عن تذمرهم وسخطهم الشديدين من الأوضاع المزرية التي يعانون منها خاصة كبار السن الذين يجبرون على الانتظار لمدة طويلة… لتصبح الفوضى وغياب الرقابة سيدة الموقف لدرجة أن بعض المرضى يعودون إلى منازلهم دون كشف طبي..
نقص المختصين يثير استياء المواطنين
لم يعد قطاع الصحة بولاية قالمة بحاجة إلى الهياكل قاعدية بقدر ما يشكو نقصا فادحا في عدد الأطباء خاصة منهم المختصين.
وأسفرت الخريطة الصحية الجديدة المستحدثة على مستوى الولاية عن إنشاء عدد هام من المرافق الصحية الجديدة وترميم البعض الآخر عبر مختلف مناطق الولاية إلا أن عدد الأطباء الملتحقين بتلك الهياكل يبقى غير كاف لتغطية احتياجات المرضى، مما يحول دون إمكانية تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمرضى.
وضع المنظزمة الصحية بقالمة يزداد تأزما يوما بعد يوم، في مستشفيات يقول عنها الأطباء أنها أصبحت أشبه بـ “محتشدات”، وأنها تحولت إلى ناقل للمرض، وليس وسيلة للعلاج، فيما يقول المواطن أن جل الأطباء هجروها وتحولوا إلى “بزناسية” مقابل مبالغ باهظة في عياداتهم الخاصة.
وفي ظل تبادل الإتهامات يبقى واقع الصحة في ولاية قالمة، رهين طوابير المرضى ممن يبحثون عن سرير للعلاج أو كما يصفه البعض “سرير المرض”..
وكثيرا ما تحول الحالات الحرجة (مثل حوادث المرور الخطيرة) التي تتطلب علاجا مكثفا وعناية فائقة، إلى ولايات مجاوره، وهو ما قد يعقد من حالة المريض.
من جهة أخرى، تطرق أحد عمال بقطاع الصحة، إلى ضعف التسيير الإداري ونقص الإطارات الإدارية، قائلا: «لابد من اتخاذ مخطط استعجالي وإجراءات عاجلة ليس لتحسين المستوى، وإنما لضبط الأمور بشكل عادي وإرجاعها إلى مستوى يليق بالقطاع».
واشار المتحدث ذاته إلى أن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات المتوفرة في الولاية، لا تلبي احتياجات أكثر من 500 ألف نسمة.
مستشفى”الأمير عبد القادر بوادي الزناتي” عاجز عن التغطية الصحية لـ 10 بلديات
يشتكي مواطنو بلدية وادي الزناتي من ضعف الخدمات الصحية بمستشفي” الأمير عبد القادر” بسبب عجزه عن استيعاب العدد المتزايد للمرضى، خاصة أن هذا المستشفى يغطي 10 بلديات تابعة للدائرة بعد مستشفى عاصمة الولاية، وهو ما يجعل نقطة الاستعجالات به غير قادرة على استيعاب الكم الهائل من المرضى الذين يقصدونه يوميا للعلاج أو إجراء عمليات جراحية وتحاليل طبية وغيرها، خاصة إذا علمنا أن مصلحة الاستعجالات بمستشفى الامير عبد القادر تعتبر النقطة الأقرب للمصابين في حوادث المرور التي تحدث بالطريق الوطني رقم 20 الرابط بين ڤالمة وقسنطينة والطريق الوطني رقم102 لرابط بين قالمة وأم البواقي.
وحسب مصادر مستقاة من المستشفي، فإن مصلحة الإستعجلات تستقبل يوميا من 120 الى 150حالة يوميا، يأتون من بلديات مجاورة، وهو ما يفوق قدرة استيعاب المستشفي التي لا تتعدى 120سرير، مع العلم أنه مازال يسير بالإمكانيات نفسها تقريبا منذ أن دخل الخدمة منتصف الستينيات.
الوضع هذا كثيرا ما يتسبب في ملاسنات بين مواطنين وممرضين وأطباء تصل حد الإحتكاك الجسدي.
وأرجع البعض هذه المشاكل إلى مغادرة البعثة الصينية التي كان أطباؤها يغطون كل الاختصاصات 24/على 24 ساعة. وما فاقم من تدهور الوضع الصحي بقالمة التقسيم الاداري الجديد للدوائر الذي أزم الوضع أكثر، لأن جميع نقاط الاستعجالات التي أنشئت عبر مختلف الدوائر يقتصر دورها على الفحص الطبي فقط، وهو ما يزيد من الضغط على المستشفى.
مصلحة الاستعجالات الجراحية الجديدة تثير التساؤلات
يثير موضوع تأخر افتتاح مصلحة الاستعجالات الجراحية الطبية الجديدة بالمؤسسة الإستشفائية العمومية “الحكيم عقبي” المتواجدة بعاصمة الولاية قالمة والتي لم تدخل بعد حيز الخدمة العديد من التساؤلات لدى المواطنين.
ماتزال مصلحة الاستعجالات الجراحية مغلقة بالرغم من انتهاء الأشغال بها، الأمر الذي طرح الكثير من التساؤلات، خاصة وأن المصلحة من شأنها فك الكثير من الضغط الذي تعرفه مصلحة الاستعجالات على مستوى المستشفى.
وكان يتوخى منها تعويض مصلحة الاستعجالات الحالية من أجل توفير تكفل أفضل بالمرضى وتقديم خدمات طبية ترقى للمستوى الذي يطمح إليه سكان هذه المدينة بعد أن أصبحت الاستعجالات الحالية تشهد اكتظاظا وضغطا كبيرا ولا تستجيب للأعداد المتزايدة للمرضى الذين يقصدونها بمعدل استقبال يقارب 300 حالة إستعجالية يوميا.
اعتداءات متكررة على مهنيي الصحة
تتزايد حوادث الاعتداء على المهنيين في قطاع الصحة بولاية قالمة، في ظل هذا الضغط ومشكل نقص الوعي الصحي لدى المواطنين، حيث يصب هؤلاء غضبهم وسخطهم على الممرضين والطاقم الطبي، لانهم المتواجدون بالواجهة.
واعتبر عديد العاملين في القطاع خاصة بمستشفى الحكيم عقبي، هذه السلوكات غير مقبولة، في ظل التجند والإرهاق الكبير الذي يعانون منه، حيث يواجهون الخطر يوميا…..مشاهد تعكس سلوكات مهينة مشينة بحق جنود الجيش الأبيض، الذين يستحقون أوسمة شرف بدل التعنيف اللفظي والجسدي المتنامي ضدهم.
وقال أحد المواطنين، “ما نراه من اعتداء يومي بحق الأطباء والأعوان وتصويرهم أثناء تأدية مهامهم غير مقبول، تماما ناهيك عن تخريب الأملاك العمومية التي يحتاجها كل المرضى، ومن يتعدى عليها فإنما يتعدى على حقوق غيره من المرضى”.
من جهته، يقول أحد الأطباء، “معظم أسباب الاعتداء على مهنيي الصحة تكون بسيطة كأن يرفض المريض انتظار دوره للقيام بالكشف عند الطبيب بحجة أن حالته مستعجلة، كذلك مدمنين على المخدرات، يطالبونهم بوصفات طبية لمهلوسات أو أدوية خاصة بالمرضى النفسيين، وأمام الرفض يتم الاعتداء عليهم أو تهديده بذلك وقت خروجه من العمل”.
وأرجع الطبيب، أسباب هذه الاعتداءات، إلى الضغط المسجل على المستشفيات، حيث يتجنب المرضى العيادات المتعددة الخدمات وقاعات العلاج و يقصدون المستشفى حتى لو تعلق الأمر بالإصابة بزكام بسيط أو بالتهاب اللوزتين، و هذا الوضع يسبب تعطيلا في التكفل بشكل جيد بالمرضى المصابين بأمراض مزمنة أو إصابات خطيرة والمحتاجين الى رعاية أكبر.
ضعف الرعاية الصحية بالمناطق النائية
تعاني عيادات ومستوصفات بالمناطق النائية من عدة نقائص، وأرجع مواطنون بمشتة مجاز الابيض و الملعب، النقص المسجل في المراكز الصحية، إلى عزوف بعض الاطارات الطبية عن الالتحاق بالمناطق المعزولة،حيث أصبحت مرافق بدون روح..
يحدث هذا في الوقت الذي خصصت فيه الدولة مختلف صيغ البرامج والمخططات التنموية والعشرات من المشاريع والمنجزات لتحسين الخدمات الصحية بمناطق الظل، إلا أنهم لا زالوا “خارج مجال التغطية الصحية.”
يقول أحد قاطني مشتة مجاز الابيض، في حديثه لـ” التنمية المحلية” انهم اصبحوا يلجؤون الى الطب التقليدي، رغم المخاطر الصحية التي قد تنجر عن مثل هذا العلاج، بانتظار إعادة النظر في تحسن الخدمات الصحية
كما يأمل سكان قرى ومداشر ولاية قالمة، تخصيص قاعات للولادة عبر مختلف الهياكل الصحية، كمطلب ملح وضروري، نظرا لما تعانيه نساء القرى من مشقة وإرهاق في الوصول إلى مستشفيات، غالبا ما تكون بعيدة عن مقر سكناهم معرضين حياتهم للخطر.
ويناشد سكان ولاية قالمة الجيهات المعنية بقطاع الصحة، التدخل من أجل تحسين الخدمة العمومية والتكفل الحقيقي بالمرضى، وإعادة الاعتبار للخريطة الصحية بالولاية.