يتحول سوق الأعشاش القديم بوادي سوف مع كل رمضان، بنمطه العريق المستمد من التراث الصحراوي الأصيل، إلى قبلة يومية لآلاف الزوار الذين يأتون من كل حدب وصوب لقضاء حاجياتهم واستذكار عبق رمضان بين محلاته وأقواسه.
الزائر لسوق المجاهد أحمد ميلودي أو كما يصفه أهل سوف بسوق “الملاح أو الأعشاش” منذ القدم، يعيش هذه الأيام لماسات حقيقية من عبق رمضان أحياها قدماء التجار الذين أصروا على الحفاظ على رونق الشهر الفضيل كما كان عليه قبل عقود وقرون، من خلال تهيئة محالهم وسط الأزقة الضيقة العتيقة وتزويدها بمختلف المنتجات ذات الصلة بالمناسبة.
كما يأتي الكثير من الفضوليين للسوق، حسبما لوحظ، ليس لغرض الشراء والتبضع وقضاء الحاجيات مثلما يعتقد البعض، وإنما للتمتع بجمالية محلاته وفضاءاته المتحولة إلى أشكال بديعة مختلفة الألوان، وكذا التجوال بين جوانبه تمضية للوقت وبحثا عن تسلية النفس.
روائح مغرية..
في بداية زيارتنا للسوق أيام رمضان لاحظنا بقاء محلات التوابل القديمة المصفوفة على مد البصر على نسقها محافظة على نمطها العمراني التراثي، وتفوح منها روائح الإكليل، الزعتر، الكروية، الكمون، الفريك والفلافل من على مسافات بعيدة، مغرية للنفس ومنعشة للروح التوّاقة لكل ما هو أصيل، وسط إقبال منقطع النظير عليها خاصة من ربات البيوت اللواتي يفضلن هذه الوجهة لقضاء حوائجهن في رمضان.
ويتواجد بالسوق محلات خاصة ببيع كل أنواع التوابل منها ما هو قديم لا يزال محافظا على التقاليد، ومحلات أخرى جديدة تبحث عن المنافسة واستقطاب الزبائن بأساليب تواصلية حديثة.
وقالت “سليمة.ث”، ربة بيت التقيناها أثناء جولتنا في السوق، أنها اعتادت على شراء مختلف مستلزمات المائدة الرمضانية منه، سواء في شهر الصيام أو باقي أشهر السنة، لكن في هذه المناسبة تزداد الحاجة أكثر للتوابل، ومكونات الحلويات التقليدية المنزلية، والأواني الفخارية وغيرها.
وأشارت سليمة بأن إقبالها المستمر على السوق دافعه توفر سلع بخيارات متعددة تنافسية وبأقل أثمان، وأضافت في سياق كلامها أن هذا السوق الشعبي أصبح مقصدا لربات البيوت كلما حل شهر رمضان الفضيل، بغرض اقتناء مكونات المائدة المنزلية المتميزة بتعدد أذواقها.
روائع الزمن الجميل
المتجوّل في سوق الملاح الشعبي وسط دكاكينه المصفوفة بنفس السياق الهندسي الممزوج بالأقواس والأعمدة الجبسية المنتاهية الدقة، سيرى حتما أشياء وتفاصيل لم تكن موجودة البتة في غير رمضان، وعادت تلقائيا بحلوله على غرار معروضات التمور والحلويات المنزلية، العصائر الطبيعية المحلية، وحتى الأواني الفخارية التي ينتعش نشاطها في هاته المناسبة.
وفي هذا الصدد، تَعْتبِر ” نجاة.ر”، ربة بيت معيلة لعائلتها، حلول رمضان فرصة للرفع من عائدها المالي، ببيعها لخبز تقليدي يكثر عليه الطلب في هذا الشهر، خاصة من سكان مدينة الألف قبة وقبة.
وتحدثت “نجاة” عن رواج واسع لبيع الخبز المنزلي التقليدي بكل أنواعه في سوق الأعشاش الشعبي خلال رمضان، وأيضا على مستوى الأحياء والقرى في الفترات المسائية، وغالبا ما يتم شراء كل معروضها نظير الإقبال عليه من طرف العائلات.
طقوس صامدة أمام الجائحة
يشهد سوق الأعشاش الشعبي بالوادي هذه الأيام عودة كاملة لزخم رمضان التجاري بعد عامين من إجراءات التشديد المتعلقة بمجابهة وباء كورونا والوقاية من انتشاره، حيث عادت تلك الأجواء الرمضانية بوهجها القديم مثلما كانت عليه قبل تفشي الجائحة.
وقد أعرب “العربي.ا”، تاجر بسوق الأعشاش، عن ارتياحه الكبير بعد تخفيف قيود كورونا وعودة مظاهر رمضان إلى طبيعتها، وسط إقبال المواطنين على مختلف الحاجيات، معتبرا موسمي الصيام لسنتي 2020 و2021، حالة استثنائية تسببت في تراجع نشاطه على غرار بقية أقرانه في المجال التجاري.
وأشار العربي لارتباط سكان وادي سوف والولايات المجاورة لها بهذا السوق الشعبي، ويعتبرونه قلب المدينة ومحور اقتصادها، وهو ما يعطيه هذا الاهتمام والزخم التجاري المتصاعد من سنة إلى أخرى.
للإشارة يقع سوق الملاح الذي يعود تاريخ إنشائه إلى 6 قرون خلت، وسط مدينة الوادي ضمن حي الأعشاش العتيق، ويتميّز بحركية ونشاط تجاري هام على مدار السنة، ساهم في انعاش إقتصاد الولاية.