تجاوز قلق أعضاء المجلس الشعبي لبلدية تندوف مسألة توزيع المهام وتنظيم البيت الداخلي إلى سبل وآليات تحريك عجلة التنمية في البلدية بعد ظهور مؤشرات خلاف مع رئيس المجلس المنتخب.
من جهة أخرى، انسدّت أمام مواطني تندوف مسالك البلدية، باعتبارها واجهة التنمية التي يعوّلون عليها من أجل تحسين نمطهم المعيشي والوجه الجمالي لمدينتهم، وإشراكهم في مخططات التنمية، أو على الأقل، تسهيل استخراج الوثائق الإدارية.
قبل أيام، خرج أعضاء من المجلس البلدي مُجاهرين بحالة الانسداد، متمسكين بموقفهم ومتبرئين من حالة الشلل في ملف التنمية بالبلدية.
للشهر التاسع على التوالي، ومنذ تنصيبه عقب الانتخابات المحلية الأخيرة، فشل المجلس الشعبي البلدي في عقد دورة عادية واحدة، بالرغم من أن القانون ينص على وجوب عقد دورة كل شهرين، وهو ما أدى إلى تعطل عديد المشاريع وإلغاء رخص المنح المؤقت لمشاريع أخرى.
هي خطوة، كانت لها هزات ارتدادية على المجلس البلدي الذي أعلن بعض أعضائه دخول البلدية في “موت سريري”، خاصة بعد استنفاذ طرق الحوار بمبادرة من أطراف من داخل المجلس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحث باقي الأعضاء على الدخول في حوار بناء لتوجيه دفة التنمية والخروج من نفق 09 اشهر..
المجلس البلدي ليس على قلب رجل واحد
يقول تهالي حمدي، نائب بالمجلس الشعبي لبلدية تندوف، إن الحديث عن وجود تنمية ببلدية تندوف مع المعطيات الحالية أمر ميؤوس منه. المقاربة التي تسير بها البلدية –يضيف المتحدث- خاصة ما تعلق بشقها التنموي مقاربة “خاطئة”، مشيراً إلى أن الأمين العام للبلدية أُفرغ من صلاحياته وتم تسريح عدد من العمال في عطلة مفتوحة بأمر من رئيس البلدية، ما أثر على الآداء الحسن للعديد من المصالح والهيئات التابعة للبلدية بما فيها الحظيرة التي تم الإبقاء على 26 عامل من أصل 86 عاملاً.
ويضيف حمدي أن الاستمرار في الوضع الحالي وحالة الانسداد في المجلس، وتركيز كل الصلاحيات في يد رئيس البلدية وانفراده بالتسيير دون إشراك باقي الأعضاء، مؤشرات قد تودي بالبلدية إلى الهاوية، وقد تقوض مجهودات إحداث تنمية جادة في المنطقة، خاصة وأن المجلس الحالي لم يسجل إلى حد الساعة أي عملية تنموية رغم توفر الامكانيات والميزانية الضخمة الموضوعة تحت تصرف البلدية منذ شهر مارس الماضي.
عائدات مالية مؤجلة
تحولت الأرصفة ببلدية تندوف إلى فضاءات مفتوحة لعرض السلع والخدمات من أصحاب المحلات، في وقت يستمر فيه بعض أصحاب المقاهي ومالكي السيارات في احتلال الأرصفة، في تحدٍ صارخ لحقوق المواطنة، ضاربين بالقوانين المنظمة للأنشطة التجارية عرض الحائط.
الظاهرة انتشرت في شوارع مدينة تندوف وسط صمت مصالح البلدية باعتبارها المسؤولة الأولى عن تفشي هذه الظاهرة، بسبب تقاعسها عن تسليط العقوبات على المخالفين.
أعمال التهيئة في المدينة وإعادة الاعتبار لبعض الشبكات وعمليات الحفر العشوائي بالمنطقة في السنوات الماضية، أضرّت بشكل كبير بالأرصفة والطرق، مع تخلف شركات الانجاز عن الالتزام ببنود عقود مع الإدارة بشأن إعادة الأرصفة إلى حالتها الطبيعية.
ظاهرة احتلال الأرصفة، شكّلت نقطة خلاف أخرى داخل أروقة البلدية التي يبحث أعضاؤها عن طرائق للتحصيل وزيادة مداخيلها من العقار، واللوحات الاشهارية.
الخلاف القائم بين أعضاء المجلس حول ضرورة تحصيل مداخيل البلدية من الأرصفة والمحلات، شجّعت تجارا على التمادي في التنكيل بنصوص القانون بدءً بالقرار الولائي رقم 525/14 الصادر بتاريخ 02 ديسمبر 2014 الذي يتضمن منع عرض السلع الغذائية وغير الغذائية خارج المحلات التجارية، والقرار الولائي رقم 64/16 الصادر بتاريخ 21 فيفري 2016 والمتضمن إنشاء وتشكيل لجنة مراقبة منع عرض السلع وبيعها خارج المحلات التجارية والأرصفة.
ويشير تهالي حمدي إلى أن الدولة تراهن على جعل ولاية تندوف قطباً صناعياً وتجارياً بامتياز، خاصة بعد افتتاح مصنع غار الجبيلات لخامات الحديد والمعبر الحدودي البري مصطفى بن بولعيد، الذي يعتبر بوابة الجزائر نحو دول غرب افريقيا، وتشجيع العديد من الأنشطة الفلاحية والبرامج التنموية التي ستعود بالنفع على سكان المنطقة، معرباً في الوقت ذاته عن أسفه لوصول المجلس الشعبي لبلدية تندوف إلى طريق مسدود، مع انعدام لغة الحوار والعديد من العقبات التي قد تعطل مسار التنمية .
عكس التيار
في خضم التوجه العام للدولة الرامي إلى تقليل الاعتماد على اقتصاد الريع الطاقوي وتنويع مداخيل الخزينة من العملة الصعبة، وجد سكان تندوف أنفسهم وسط دوامة هذا التحول الاقتصادي، بدءً من افتتاح المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد شهر أوت من سنة 2018 وصولاً الى الشروع في استغلال منجم غار الجبيلات لخامات الحديد، مروراً باكتشاف حقل للغاز ومناجم للذهب وتسجيل مؤشر نمو متسارع في هذه الولاية الحدودية.
الوتيرة المتسارعة في مؤشر التنمية بالولاية، قابلها تعطل العديد من المشاريع التنموية المحسوبة على بلدية تندوف، لتضع كل هذه المكاسب أمام امتحان صعب باعتبار البلدية اللبنة الأولى في صرح التنمية.
منذ تنصيبه قبل تسعة أشهر، لا يزال المجلس الشعبي لبلدية تندوف يرزح تحت ضغط الشارع من أجل تجسيد برنامجه الانتخابي وتحسين النمط المعيشي للمواطن. النفايات متراكمة في الشوارع، فضلا عن ظاهرة الكلاب المتشردة، غياب الإنارة العمومية عن معظم أحياء المدينة وأكواخ الماشية التي أصبحت ملازمة للتجمعات السكنية، كلها ظواهر عجز المجلس الحالي عن إيجاد حلولاً نهائية لها.
التحديات التي سيواجهها المجلس الحالي لن تتوقف عند هذا الحد، فالمخطط البلدي للنقل والنظافة لا يزالان منذ سنوات حبرا على ورق، تضاف إليهما مطالب أعضاء في المجلس بضرورة ضبط وتنظيم مواقف السيارات واستحداث أسواق جوارية تعود على البلدية بمداخيل معتبرة، إلى جانب ضرورة العودة الى الرقمنة.
ويلاحظ المواطنون عدم التعاطي بجدية مع تجاوزات موظفين وإخلال بنظام استقبال المواطنين، وهي تصرفات وصفها بعض أعضاء المجلس بـ”التجاوزات الخطيرة” التي تضر بالمصلحة العامة للمواطن، وتؤثر على السير الحسن للإدارة.
وقد تؤدي الخلافات القائمة بين أعضاء من البلدية ورئيس المجلس الشعبي البلدي، إلى تأحيل تسوية بعض الملفات السكنية، فحصتي 2400 سكن ريفي و 1000 قطعة أرضية لا تزال تنتظر تسوية إجراءاتها الإدارية العالقة في البلدية.
“اختلاف وليس خلاف”
نفى الطاهر خالد، رئيس لجنة المالية والاستثمار في المجلس الشعبي لبلدية تندوف، وجود خلافات داخل المجلس، موضحاً أن الوضع الذي يعيشه المجلس منذ 09 أشهر هو “أمر عادي، ولا يمكن إخراجه عن سياق متطلبات العمل السياسي واختلاف طبيعي في وجهات النظر”، مشيراً إلى أن فشل المجلس الحالي في عقد دورة عادية، لا علاقة له بخلافات المجلس المزعومة، بل هو أمر راجع لعوامل “موضوعية”، دون الافصاح عنها وعن طبيعة تلك العوامل.
ويضيف رئيس لجنة المالية و الاستثمار أن الميزانية التي استلمتها البلدية شهر مارس الفارط “ضعيفة ولا يمكنها تغطية نفقات البلدية لا من ناحية التجهيز ولا التسيير”.
المجلس الحالي – يضيف المتحدث- ورِث ديوناً ثقيلة وملفات قضائية يستحيل معها الوفاء بكل الالتزامات المالية المترتبة على عاتق البلدية، منها 06 مليار سنتيم ديون لمؤسسة سونلغاز وحدها وفواتير عديدة لمقاولات إنجاز لم تسدد إلى غاية اللحظة.
وأردف الطاهر قائلاً أنه ورغم العجز المالي للبلدية، لكن المجلس الحالي بصدد تنفيذ مخطط عمل شامل لاستدراك التأخر في ملف التنمية في البلدية، بما يتماشى مع حجم الميزانية المتوفرة، والبحث عن مصادر للدخل، وذلك من خلال إنجاز دراسة لسوق المغطى ومذبح بلدي جديد، والعمل على حصر ممتلكات البلدية وإحصاء المؤجرين بهدف مراجعة وتحيين أسعار الإيجار.
وتسعى البلدية إلى تطبيق نصوص القانون خاصة فيما تعلق بتأجير الأرصفة التي تحولت الى أملاك خاصة لبعض المقاهي والمحلات الكبرى، وتستهدف هذه الاجراءات –حسب المتحدث- زيادة مداخيل البلدية والبحث عن مصادر جديدة لتمويل المشاريع العالقة وتسديد الديون.
عودة كل العمال إلى مناصبهم
إلى جانب ذلك، نوّه رئيس لجنة المالية والاستثمار، بالتوسع العمراني والانفجار الديمغرافي الذي شهدته الولاية خلال العقدين الأخيرين، يقابلهما بقاء إمكانيات البلدية البشرية واللوجستية على حالها بحوالي 26 عامل نظافة فقط، ما أدى إلى تفاقم أزمة النفايات في المدينة وتحول العديد من الأحياء إلى نقاط سوداء، مشيراً إلى استحالة تسيير بلدية في 2022 بإمكانيات 1998 على حد وصفه، مؤكداً في هذا الإطار الشروع في إعادة تفعيل نصوص القانون على المتسببين في الرمي العشوائي للنفايات ومخلفات البناء وتوقيع مخالفات بالتعاون مع شرطة العمران والبيئة قد تصل حد رفع دعاوى قضائية.
وأقرّ المتحدث بوجود نقص كبير في اليد العاملة في الفروع البلدية خلال الصائفة الحالية، ما أضر بمصالح المواطنين وشكّل عبئاً على مصلحة الحالة المدنية بمقر البلدية الأم، وقال الطاهر إن المشكل مؤقت وراجع إلى تسريح العديد من العمال دفعة واحدة، لاعتبارات إنسانية بعدما لوحظ عدم استفادة بعض الموظفين من حقهم في العطلة منذ سنتين، مشيراً إلى أن الدخول الاجتماعي المقبل سيكون موعداً لعودة كل العمال إلى مناصبهم.