مدينة بوسعادة مصدر إلهام للكثير من الفنانين ومختلف الشخصيات العالمية، تزخر بمناظر طبيعية ساحرة وواحات مغرية وأشعة شمس تطل من وراء جبل كردادة متسلّلة عبر أشجار النخيل الكثيفة.
تشكل قبلة سياحية ضاربة في أعماق التاريخ عزّزتها العديد من الآثار التاريخية التي تروي تعاقب حضارات خلفت معالم سياحية، فأصبحت محجّا للكثير من الفنانين والأدباء الذين أخرجوها للعالمية.
أصل التسمية
اختلفت الكثير من الروايات حول تسمية بوسعادة (ولاية المسيلة) بهذا الاسم. برجح البعض أن أصل التسمية يعود إلى أنّ مؤسّسي المنطقة ولفرط ابتهاجهم بالموقع الذي عثروا عليه أطلقوا عليه اسم “أبو السعادة”، ومع مرور الوقت تحول الاسم إلى بوسعادة.
في حين رجح صاحب كتاب “إرشادات الحائر” إلى ما علم من أحوال بوسعادة وأخبار سيدي عامر، أنّ الرومان أثناء احتلالهم للمنطقة بنوا قصرا وأطلقوا عليه اسم “بفادة”، ومنه أخذ اسم بوسعادة بعد قدوم العرب.
تقع مدينة بوسعادة في الجنوب الشرقي للجزائر على بعد 248 كلم، تبعد عن مركز ولاية المسيلة بـ 68 كلم يحدها شمالا بلدية أولاد سيدي إبراهيم، من الشمال الشرقي بلدية لمعاريف، من الشرق بلدية لحوامد ومن الغرب بلدية تامسة.
وتحتل مدينة بوسعادة موقعا جغرافيا هاما باعتبارها بوّابة الصحراء، وملتقى طرق يربط البحر المتوسط بالصحراء ومنطقة الزيبان بساحل الجزائر العاصمة ومنطقة الزيبان بقسنطينة، وتتربّع على مساحة إجمالية تقدر بـ 255 كم 2 بتعداد سكاني فاق 134 ألف نسمة.
يحيط بها جبل كردادة من الجنوب وواد بوسعادة من الشمال ومن الشمال الشرقي واد ميطر. وتمتاز مدينة بوسعادة بتنوعها الطبيعي ما بين الكثبان الرملية وغابات الصنوبر ذات الطابع المتوسطي وواحات النخيل الوافر وغير البعيدة على الصخور المنقوشة، وأهم ما يميز نشاطاتها الرعي، الحرف التقليدية، الخدمات والسياحة.
الروح الإسلامية..
اشتهرت بوسعادة من الجانب المعماري كغيرها من المدن الجزائرية بفنون العمارة الإسلامية، والتي أبرزت خلالها الروح الإسلامية بمساجد بوسعادة ومسجد زاوية الهامل وغيرها من المعالم الأثرية، وهو ما جعلها قبلة سياحية للكثير من الشخصيات والفنانين على غرار الفنان التشكيلي نصر الدين دينيه (اسمه الحقيقي ألفونس إيتيان دينيه)، والذي فضّل العيش والاستقرار بها على مسقط رأسه فرنسا التي ولد بها في 28 مارس 1861، وكان أول سفر له إلى الجزائر سنة 1883.
فيها اكتشف سحر الجنوب من خلال برمجة جولة إلى مدينتي ورقلة والأغواط، هذه الأخيرة أثّرت فيه بشكل كبير، وهو ما دفعه إلى رسم شرفات مدينتها والتي تم عرضها في المتحف الوطني للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة سنة 1889.
وحاز على الميدالية الفضية بعد مشاركته في معرض بباريس. وفي سنة 1905 استقر نصر الدين دينيه بشكل نهائي بمدينة بوسعادة في منزل تقليدي بعد أن سحرته طبيعة بوسعادة وتعلّقه بصديقه سليمان بن إبراهيم باعمر، حيث وضع نصر الدين دينيه كل طاقته وخبراته الفنية ومواهبه للتعريف بحياة الصحراء وبالروح الجزائرية وظروف معيشتهم الاجتماعية، وأبرز خلالها أدق تفاصيل الحياة ببوسعادة عبر لوحات فنية تهافتت عليها كبريات متاحف العالم لاقتنائها، ففي سنة 2005 تمّ بيع لوحته “سبّاحون في الوادي” بسعر قياسي نظرا لجماليتها وما تحمله من رواية.
اعتنق الفنان التشكيلي نصر الدين دينيه الديانة الإسلامية في ديسمبر 1927، وحجّ إلى بيت الله في سن 68 سنة، وفي 1929 وافته المنية بعد مرض عاصف ودفن ببوسعادة حسب وصيته الأخيرة.
متحف نصر الدين دينيه
في سنة 1993، تمّ تأسيس المتحف الوطني نصر الدين دينيه ببوسعادة تخليدا لذكرى أعماله الفنية التي رسّخت ووثّقت الحياة البوسعادية والجزائرية بكل تفاصيلها ونالت العالمية، وفي سنة 1995 تمّ اقتناء أول لوحة (بورتريه رجل) وأدرجت في المتحف الذي يتكون من مبنيين: جزء قديم احتضن مرسم الفنان التشكيلي وأدخلت عليه ترميمات، وجزء ثان تمّ استحداثه سنة 1993 يتكون من قاعتين للعرض وبناية للإدارة. ومن بين المعروضات في المتحف لوحة زيتية عنوانها “بورتريه رجل”، لوحة لـ “إدوارد فيرشافيلت”، للفنان إسياخم والفنان محمد لوعيل والعديد من لوحات فنانين كبار، كما تمّ في تلك السنة استعادة 11 لوحة للفنان دينيه إيتيان وبعض الأدوات التي كان يستعملها وشهاداته التكريمية من إدارات العالم، بالإضافة إلى الوصية التي تركها بخط اليد تحدّد مكان دفنه ببوسعادة.
النّقوش الصخرية
تقع على الطريق المؤدي لبن سرور في وادي الشعير، وبالضبط بأعالي عين ميلود أين توجد صخور عملاقة تمتد على مساحة تتراوح من 03 إلى 06 هكتارات، تبدو وكأنها مدينة مدفونة ملقية على سهل قريب من مسجد قديم، مزركشة بأشكال لحيوانات كالأسد والعصفور وبعض الشخوص، وتبدو هاته الآثار على شكل قاعة محاضرات تنتمي للعهد الروماني، في حين يقع صخر وادي الشعير على بعد 07 كلم جنوب غرب لعرايس. وأكّد الباحث والمهتم بالشأن الثقافي والسياحي ببوسعادة، سعيد حبيشي، وجود معلومات حول آثار رومانية ممتدة لجميلة وباتنة نظرا لوجود عدة مراكز عسكرية رومانية منها قلعة في بوسعادة بني عليها مسجد، ويقال حسب الباحث “دوقالو” إن اسم “بوسعادة” اشتق من كلمة “بيفادة” الذي كان هو المسؤول على المركز العسكري المتقدم الروماني، بالإضافة – حسب المتحدث – إلى وجود مركز آخر في عين الريش ومركز آخر كأبعد نقطة رومانية بمسعد، مشيرا إلى أن الأماكن المحيطة بها تربطها علاقات وقوافل تسير تحت قيادة الرومان ممّا أدّى إلى وجود آثار مختلفة.
طاحونة “فيريرو“
تقع طاحونة “فيريرو” على بعد 02 كلم من بوسعادة، وهي بقايا طاحونة قديمة بناها أنطوان فيريرو، أحد الايطاليين المولودين بمحافظة طورينو، هاجر إلى الجزائر سنة 1867 ونزل ببجاية، أنشأ طاحونة “فيريرو” ببوسعادة بعد أن اشتغل بالعديد من الطواحين عزّزها بطاحونة أخرى بالمسيلة أسماها طاحونة الورود أين عين أخيه على طاحونة بوسعادة الواقعة بالقرب من الشلال، خاصة وأن الطاحونة تدور بالماء، وهو ما يثير فضول الزوار الذين يقصدونها من أجل الاستمتاع بشلالاتها وواحة النخيل.
برج السّاعة “كافينياك“
يعود تاريخ بناء حصن برج الساعة أو ما يعرف قديما بـ “كافينياك” نسبة إلى السفّاح الفرنسي “كافينيالك” في عهد الاستعمار الفرنسي أين قام ببنائه العقيد “بان” على أعلى هضبة، والذي بدوره أعطى أمرا للرائد “فيدار” للقيام ببناء الحصن سنة 1852، أي بعد احتلال بوسعادة بـ 03 سنوات بهدف مراقبة المدينة القديمة التي كانت آهلة بالسكان، والذين قاوموا الاحتلال الفرنسي بشتى الطرق بقيادة الشهيد محمد الشريف بن شبيرة، كما تم أيضا في نفس الوقت بناء ثكنة عسكرية ومستشفى كبير أصبح في عداد الآثار، بينما بقي البرج شاهدا اليوم على جرائم المستعمر الفرنسي تروي جدرانه المتصدّعة خطط المجرم والسفاح “كافينياك”.
آمال وتطلّعات لإعادة البريق السياحي
أشار سعيد حبيشي، المهتم والباحث في الشأن الثقافي والسياحي ببوسعادة، إلى أن هذه الأخيرة تعد من أهم المدن جذبا للسياحة بحكم أنها الواجهة الأقرب للبحر الأبيض المتوسط، تتميز بمناظرها الطبيعية التي كانت ولازالت تسحر السائحين والزوار بفضل الوادي المحفوف بالواحة ومن حافتيه مجموعة من النخيل والمناظر الطبيعية الصحراوية زادتها رونقا وجمال المدينة القديمة وهندستها المعمارية، وكذا الأضرحة الموجودة داخل المدينة القديمة والمساجد التي يعود تاريخ بنائها إلى أكثر من 08 قرون.
ويرى سعيد حبيشي، أنّ بوسعادة في الوقت الحالي ضيّعت معالمها التاريخية والثقافية، ولم تحظ باهتمام السلطات بها، لكن تحاول المحافظة على بعض معالمها التي هي في طريق الزوال.
ولإعادة بريق بوسعادة السياحي، أكّد المتحدث أنه يجب الاهتمام بالوادي وإرجاع المياه له، عمل يندرج – حسبه – ضمن صلاحيات السلطات، ناهيك على غرس بعض النخيل لأنّ البعض منها مات والبعض الآخر شاخ، حسبه، بالإضافة إلى إعادة الواحة إلى طبيعتها، الاهتمام بالمدينة القديمة، إعادة بنائها وتصنيفها كتراث وطني، تدرج ضمنها الصناعات التقليدية في ظل تواجد سوق بوسعادة الذي يجذب السائحين ووجب ترتيبه، بما فيها المسجد العتيق الذي له من التاريخ ما له، ويمكن أن يصبح مثل جامع كتشاوة.
وبالعودة للحديث عن المعالم السياحية ببوسعادة، طالب المتحدث بإعادة ترميمها لتصبح الوجهة السياحية الأولى. وبالنسبة للمتحف، يرى حبيشي ضرورة احتوائه على جميع المراحل التاريخية انطلاقا من العصر الحجري لتاريخ بوسعادة ومنطقتها مرورا بالرومان وبالفتوحات الإسلامية وبالقبائل التي مرت بها بدءاً ببني هلال وغيرهم، مطالبا السلطات المحلية وعلى رأسها البلدية إبراز المعالم التاريخية للمدينة، وتسمية الشارع الذي سكن فيه الفنان العالمي “إدوارد فيرشافيلت” باسمه، ولا ننسى كذلك زيارة أكثر من مئة رسام لبوسعادة، لذا وجب تجسيد أسمائهم في شوارعها.
وكذا المسجد الذي زاره العلاّمة عبد الحميد بن باديس وقدّم فيه خطبة الجمعة، والذي يستوجب – حسبه – وضع لافتة كبيرة توضّح هذه الزيارة التاريخية لرائد النهضة الإسلامية بالجزائر من أجل جلب السائحين، بالإضافة إلى الأماكن التي وقعت فيها المقاومات العسكرية. ورفع التجميد عن قصر الثقافة – وفق محدثنا – الذي سيلعب دورا كبيرا في إعادة إنعاش السياحة واستقطاب الزوار، وتنظيف المدينة القديمة وترميم الأحياء القديمة خاصة حي القصر، وإعادة الاهتمام بالدار التي سكنها نجل الأمير عبد القادر، الهاشمي وابنه الأمير خالد، واسترجاعها من أهله وجعلها معلما تاريخيا، ورد الاعتبار لمعهد الموسيقى المغلق منذ سنوات، يضيف سعيد حبيشي.