من يتحدث عن رخام “قريكوسكريتو”.. سيتكلم في مكان ما عن فخامة غير معروفة لدى الجزائريين، الذين يعشقون كل ما هو جميل..
يزخر مقلع الرخام ببلدية فلفلة شرق مدينة سكيكدة بعديد أنواع المرمر ذي النوعية الجيدة على غرار الرخام الأبيض والرمادي المعروفين في البحر الأبيض المتوسط وحتى العالمي.
حسب مختصين، رخام فلفلة ثروة هامة ويعتبر الأفضل عالميا، وهو أحسن من رخام إيطاليا وتركيا، حيث أثبتت دراسات عديدة أنّ رخام منطقة فلفلة كان يكثر عليه الطلب خلال الحقبة الرومانية نظرا لخصائصه المتميزة في مجال النحت، ومناجم الرخام بهذه المنطقة استعملت من طرف الإمبراطورية الرومانية لتزيين قصورها.
يمتد منجم فلفلة على مساحة إجمالية قدرها 100 هكتار، كما أن المنطقة تتوفر على مادة رخامية هامة ذات نوعية عالية منها رخام أبيض وبني، وأشارت أبحاث أنّ رخام فلفلة قد استغل بشكل كبير خلال الفترة الرومانية من أجل إنجاز أعمال الزخرفة وتشييد القصور.
قال الدكتور موريزيو مارتينالي، الخبير الدولي في معهد “ريناسانزا ليسل” الإيطالي، حينما حلّ بسكيكدة في السنوات الماضية، للإشراف على تربص يخص التكوين في حرف الرخام، أشرفت عليه غرفة الصناعة التقليدية للولاية بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للرخام، بأنه “يمكن لولاية سكيكدة أن تصبح مركزا دوليا للرخام في منطقة المغرب العربي وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في مجال حجارة التزيين”.
عودة بعد 12 سنة من الغلق
عرف مصنع الرخام بسكيكدة أحلك أيامه بعد غلقه لمدة تصل إلى 12 سنة، بسبب الانفجار الذي وقع بمركب تمييع الغاز في جانفي 2004، ليتم إعادة فتح أبوابه سنة 2012، والعودة للإنتاج مجددا، حيث استفاد من 670 مليون دينار منها 70 مليون خصّصت لبناء مستودع و600 مليون دينار وجّهت لاقتناء تجهيزات وآلات جديدة، تمّ تركيبها من طرف مختصين ومهندسين من ايطاليا، ضمن البرنامج الوطني لإعادة تأهيل المؤسسات.
يشغل قطاع الرخام بسكيكدة، على مستوى مقلع الرخام بفلفلة ومحجرة الشط، بالإضافة إلى وحدة التحويل بمدينة سكيكدة، 368 عامل، منهم 210 عامل بمقلع الرخام بفلفلة وبمحجرة الشط، وكان إن استفادت المؤسسة من قرض طويل المدى، وصل الى 2923 مليون دينار جزائري، منها 2100 مليون دج لتمويل البرنامج التنموي للمؤسسة، والباقي لتغطية ديون وتكاليف جبائية.
دعم خارجي
يعمل مسؤولو قطاع المناجم على الاستعانة بتقنيين من الخارج لرفع قدرات إنتاج مقلع الرخام بالولاية، وقال وزير المناجم محمد عرقاب، إنه سيتم وضع خطة عمل دقيقة قبل نهاية ديسمبر الجاري للوقوف على مشاكل المؤسسة المالية والتسييرية، باعتباره يملك أجود أنواع الرخام.
يبلغ عدد مقالع الرخام عبر الوطن 20 مقلعا لا تسد احتياجات السوق المحلية إلا بنسبة 15 بالمائة من هذه المادة، حيث يتم حاليا استيراد 500 ألف طن سنويا من الرخام والغرانيت، ووصلت قدرة إنتاج مقلع الرخام بفلفلة، خلال سنة 2019 إلى حوالي11 ألف متر مكعب، الأمر الذي يتطلب إجراء دراسة بغرض رفع قدرة إنتاجه حتى يستعيد مكانته، كما صرح وزير القطاع.
مخزون لأزيد من قرن
توقّع مكتب دراسة أمريكي أنّ احتياطي منجم فلفلة يصل إلى 06 ملايين متر مكعب، الأمر الذي يسمح باستغلاله لأزيد من قرن، ما يؤهل ولاية سكيكدة لأن تكون الأولى في إنتاج الرخام، ناهيك على توفر منجم فلفلة على 07 أنواع من الرخام الأبيض والتي تعد من أجود أنواع الرخام، ونسبة الاستغلال الحالية به لا تزيد عن 30 %، كما أنه لا توجد إلا مؤسستين على مستوى الولاية مختصتين في تصنيع الرخام وهما المؤسسة الوطنية للرخام ومؤسسة أخرى خاصة، وتواجه هذه الصناعة الواعدة في القطاع الصناعة التقليدية صعوبات تتمثل في قدم الآلات وارتفاع أسعارها.
وكان فريقٌ من الباحثين الأمريكيين قد زار الجزائر في السنوات الماضية بدعوة من الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية، وأخَذَ عينات من رخام المناجم والمحاجر الجزائرية، ليتوصل لنتيجة أن رخام مناجم “فلفلة” بسكيكدة استٌعمل في تزيين القصور الرومانية في العهد القديم، كما أن الرخام الجزائري المعروف باسم “قريكوسكريتو” وهو رخام أبيض، قد استعمل في تزيين الحمامات المعدنية العتيقة بإيطاليا.
تحدّي رفع الإنتاج
سطّرت المؤسسة الوطنية للرخام هدفا يقضي ببلوغ قدرة إنتاج تتراوح بين 25 و30 ألف متر مكعب بمنجم فلفلة، ويمكن أن ينتج المنجم حاليا 15 ألف متر مكعب من الرخام سنويا، وهذه الكمية ضعيفة بالنظر إلى الطلب والاحتياجات المتزايدة على مواد البناء.
تعمل المؤسسة على تدعيم شبكة التوزيع عبر مختلف ولايات الوطن، لبلوغ أهداف البرنامج المسطر لسنوات 2021 – 2026، وتحسين الخدمات مع الأخذ بعين الاعتبار أسعار المنتوج التنافسية، بالإضافة إلى التكوين المستمر، وتحيين المعارف التقنية للتمكن من التكنولوجيا الحديثة.
وتطرح إشكالية هامة ممثلة في مواجهة مشكل الأسعار غير المنصفة، لأن الرخام الجزائري ذو النوعية الجيدة مكلف نوعا ما، وينافسه في السوق أسوء أنواع الرخام المستوردة، ما يؤدي إلى عزوف عن اقتناء المنتوج الوطني.
ولبلوغ إنتاج 50 ألف متر مكعب من الرخام، يتطلب حسب مسؤولي المؤسسة معدات ووسائل عمل جد متطورة، لأن الموجودة منها قادرة على بلوغ إنتاج لا يتجاوز 15 ألف متر مكعب من الرخام، وفق البرنامج الذي تم تسطيره خلال السنوات الأخيرة.
تنتج المؤسسة الوطنية للرخام، أساسا الرخام في شكل كتل ومصنع والحصى، والشركة تتكون من 3 وحدات تنتج الكتل والحصى وأخرى تنتج الصفائح بما يعادل 110 ألف متر مربع بكل الأنواع من الأخيرة، و90 ألف طن من الحصى، أما الكتل 114 ألف. وحسب أرقام المؤسسة فقد تم إنتاج السنة الماضية 29077،36 طن من الرخام، و73328 طن من حبيبات الرخام.
مدير عام مؤسّسة الرّخام بسكيكدة: قِدم المعدّات وغياب الاستثمار حجر عثرة
تقلّص إنتاج مادة الرخام سنة 2020، تأثّرا بانتشار فيروس كورونا، وهذا التزاما للتدابير التي أقرّتها الدولة الجزائرية، كما قال قادوش عبد القادر المدير العام لمؤسّسة الرخام بسكيكدة، حيث انخفض الإنتاج إلى 50 بالمائة، كما أنّ تعليق النقلين البري والبحري، وغلق المجال الجوي، أفقد المؤسسة طلبية هامة من مجمّع بدولة الأردن، تقدّر بـ 15 ألف متر مكعب، بالإضافة إلى طلبية أخرى من الصين، ولحسن الحظ تم تداركها لوجود جزائري ممثل للشركة المعنية.
ورغم الصعوبات تمكّنت المؤسسة من إنتاج أكثر من 05 آلاف متر مكعب من الرخام إلى غاية شهر سبتمبر من السنة الجارية، وتأمل إدارة المؤسسة بلوغ إنتاج 08 آلاف متر مكعب قبل نهاية السنة، وحسب نفس المسؤول، المؤسسة تعاني من إشكاليتين، الأولى تتمثل في غياب الاستثمار الجاد في هذا القطاع لتطوير السوق المحلي، والارتقاء إلى مستوى طلبات السوق الخارجي، والاستثمارات المطلوبة هي استثمارات ثقيلة، قادرة على إنعاش القطاع.
أما الإشكالية الثانية، في نظر المدير العام للمؤسسة فتتعلق بوسائل العمل، لابد من شراء المعدات والآلات المتطورة، وجلب التكنولوجيا الحديثة لاستغلال أمثل للمنجم، وأوضح المدير العام أنه هناك إستراتيجية بمعية الوزارة الوصية والشركاء الاقتصاديين من الجزائر والخارج لإنعاش القطاع، وتلبية احتياجات السوق المحلي بغرض تقليص الاستيراد، ومن ثمة العمل على التصدير.
مطالب بعودة الصّالون الوطني للرّخام
يطالب الحرفيّون بعودة تظاهرة الصالون الوطني للرخام، لأنّه يشكّل نقطة التقاء المهنيين من جميع الولايات، بالإضافة إلى مؤسّسات عمومية وخاصة ووكالات الدعم ومتعاملين في مجال الرخام.
وكانت التظاهرة فرصة لعرض منتجات في اختصاصات عديدة كالنحت على المرمر، الحجر، الفخار، التزيين على الرمل، الخزف والجبس، إضافة إلى عرض أواني أخرى للتزيين، ويهدف هذا المعرض إلى جمع الحرفيين لتبادل الخبرات فيما بينهم، وكذا المحافظة على الموروث الحرفي، وبخاصة الحرف التقليدية المهددة بالزوال.
كما توفّر التظاهرة فرص اكتشاف منتوج الرخام، والتعرف على الحرفيين، واقتناء بعض منتجات الرخام، ويتم تخصيص عدة مسابقات ضمن هذه الفعاليات، من خلال مسابقة أحسن منتوج حرفي للرخام، مسابقة أحسن واجهة عرض وأحسن منتوج منحوت، فيما ينظم خلال هذه التظاهرة يوم دراسي خاص، تقدم خلاله عدة مداخلات لمختصين في المجال.