هي مناطق لم تمسّها شمس التنمية، منسية ما عدا يوم الانتخابات، مناطق لم تسلّط عليها الأضواء، ولم ترَ ضوء الازدهار ونور التنمية..
هي تسميات أطلقها جزائريون على المناطق المعزولة، النائية، المهمّشة والمحرومة من التنمية، اختصارا لكلمة “مناطق الظّل”، التي باتت العنوان الأكبر لها، منذ أن سلّط الرئيس عبد المجيد تبون عليها الضوء في فيفري 2020، في لقاء جمعه مع ولاة الجمهورية، حيث كان المنعرج في تغيير بوصلة التنمية، والانطلاق في “معركة التغيير”، بداية بالتقسيم العادل للثروات وبسط خيرات الجزائر لكلّ الجزائريين في إطار بناء “جزائر جديدة”.
مناطق الظل التي ظلّت ترزخ تحت براثن الفقر طيلة عقود ماضية، كانت قد همّشتها سياسات حكومية متعاقبة طيلة عقود على كرسي المسؤولية في الجزائر، فنشأت أحزمة الفقر المغيّبة من حسابات التنمية والتعمير، وباتت “وكرا” لتفريخ كل أشكال المعاناة، الفقر المدقع والحال البائس.
قبل انتخابه رئيسا للجزائر، قطع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على نفسه 54 التزاما لبناء جزائر جديدة، منها فك العزلة عن المناطق الفقيرة والمهمّشة، وضمان إنجاز كل المنشآت الاجتماعية والاقتصادية من سكنات، مدن، طرقات، سدود وغيرها، في شكل مشاريع متكاملة، وهذا للقضاء بشكل نهائي على الفوارق التنموية من خلال التركيز على المناطق الفقيرة والمهمشة بشكل أولوية.
الأعين تُفتح حول مراتع العوز والتّهميش
فُتحت الأعين في الجزائر على مناطق الفقر والتهميش بعد تاريخ منتصف فيفري 2020، بعد الشريط الوثائقي “التاريخي”، الذي عُرض أمام الولاة، المسؤولين المحليين، الوزراء وكوادر الدولة، وعرض لاحقا أمام أعين المشاهدين حينما بثّه التلفزيون العمومي في نفس اليوم.
مدة الفيديو لم تتجاوز خمسة وثلاثين دقيقة، لم يكن كافيا لنقل معاناة جزائريين مع أحزمة التهميش، لكنه كان شاهدا على استمرار معاناتهم بعد ستين سنة من الاستقلال، حيث لا يزالون ينقلون المياه عن طريق الدواب، تغطّيهم أسقف من الصفيح والطين، لا كهرباء، لا مدارس لا رعاية صحية، وغياب لأبسط ضروريات الحياة.
مباشرة بعد ذلك اللّقاء “الساخن”، سارعت الحكومة إلى تحديد مناطق الظل، حيث رصدتها بـ 15 ألف منطقة، يقطنها حوالي 9 ملايين نسمة، وحملت تقارير وزارة الداخلية التي تكفّلت برصد مؤشرات تلك المناطق معطيات كثيرة حول مرتع التهميش والعوز في البلاد.
في أقل من شهر عن لقاء “الولاة” أعلن الوزير الأول مطلع مارس 2020، عن وضع مخطط استعجالي للتكفل باحتياجات سكان تلك المناطق، قصد تقليص فوارق التنمية عبر كامل التراب الوطني. وقال جراد حينها إنّ “الدولة ورثت عن الحكم السابق وضعا كارثيا شابته هشاشة الوضعية الاقتصادية لبلدنا من خلال الفوارق في تنمية الأقاليم، واختلالات خطيرة في مجال حصول المواطنين على الخدمات العمومية القاعدية”.
لا مكان لسلوكات بائدة
اعتقادا من السلطات العليا أن التوجيهات الصّارمة التي رمتها في حضن المسؤولين، والشركاء المعنيين بالتنمية، كانت كافية للتشمير عن السواعد والعمل إيذانا بانطلاق “معركة التغيير”، وإنقاذ المناطق المحرومة.
غير أن بعضا من الشركاء المعنيين يظنون أن عهد الرقابة والوقوف على مدى إنجاز المشاريع التنموية مجرد ذرّ الرماد في العيون فقط، فمنهم من كان يعمل في صمت، ومنهم من اعتبر تعليمات الرئيس بالتكفل بمناطق الظل تصريحات غرضها إعلامي وشعبوي.
كما كان يحدث في العهد الذي سبق الحراك الشعبي، غير أنّ أعين السلطات العليا أضحت لا تنام لمراقبة مدى إنجاز المشاريع وجدية العمل، حيث ضبطت المصالح المكلّفة بالمراقبة في الميدان عدة مسؤولين محليين مكلفين بالمتابعة “خانوا” الثقة التي وُضعت فيهم لإنجاح هذا التغير والتحول.
وكشفت الرئاسة عن التلاعب “بالأمانة”، بواسطة غشّ وتقارير مغلوطة لبعض الشركاء المعنيين من خلال إظهار مزاعم إنجاز مشاريع غير موجودة على الأرض، وارتكابهم أعمال غش بالغة الخطورة، والإيهام بتجسيد مشاريع جوارية غير موجودة على الواقع. جاءت بعد تحقيقات أظهرت “خيانة الأمانة، والتلاعب في مشاريع موجهة لمناطق الظل”.
وبالصوت والصورة عبّر تقرير “متلفز” بثّه التلفزيون العمومي، بشهادة قاطني تلك المنطقة، حيث كانت تلك الشهادات كافية للإطاحة بأكثر من 10 مسؤولين محليين وإحالتهم على التحقيق، في وقت استبشر الجزائريون خيرا من هذه الطريقة الجديدة لمتابعة المسؤولين، ومراقبة عملهم وفضحهم أمام الرأي العام، إذ كان الرئيس تبون قد هدّد كل من تسول له نفسه بالتلاعب بمصالح الجزائريين وأموالهم، وقد تعهّدت السلطات حينها بوضع آلية لمتابعة تنفيذ الخطة الجديدة.
4 أهداف إستراتيجية
تكشف تقارير وزارة الداخلية التي تحوز مجلة “التنمية المحلية” على نسخة منها، أن “هذا الملف الذي يحظى بأهمية قصوى لدى السلطات العليا للبلاد، والذي يُعتبر من أولويات العمل الحكومي، يقتضي التكفل باحتياجات مناطق الظّل التي تعاني من حالة هشاشة، حيث يعيش سكانها ظروفا معيشية صعبة، بسبب انعدام التنمية.
وأضافت المصادر أنّه “قد تمّ تسطير برنامج استعجالي تنموي يضم أربعة أهداف إستراتيجية، بداية من تقليص فوارق التنمية بين مناطق البلاد، من خلال تعميم تزويد السكان بالكهرباء، والغاز والماء الشروب، إلى جانب فكّ العزلة عن سكان المناطق البعيدة والجبلية والمعزولة.
فضلا عن تحسين توفير الخدمات المتعلقة بالصحة وتعليم الشباب، ناهيك عن تنويع القنوات الاقتصادية بالمناطق المعزولة بهدف خلق فرص العمل”.
خطّة عاجلة
بالرّغم من الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد في مواجهة الأزمة الصحية، جراء انتشار جائحة “كوفيد 19” وما خلّفته من أضرار اقتصادية،وتركيز الجهود على تدابير الوقاية، إلا أن رزنامة تنفيذ البرنامج الإستعجالي المتكفل بساكنة مناطق الظل لم يتغير.
وعرف تقدّما ملحوظا ــ حسب آخر الأرقام المستقاة من وزارة الداخلية والجماعات المحلية ــ التي ترى أنّه خلال الأشهر الستة الماضية تمّ تعبئة كل مصادر التمويل المتاحة على المستويين المركزي والمحلي من ميزانيات محلية والمخصصات البلدية، وإعانات صندوق التضامن والضمان االجماعات الملحية والبرامج القطاعية.
207 مليار دينار و11 ألف مشروع
تشير آخر أرقام ومعطيات صادرة عن وزارة الداخلية، أنّ البرنامج الإستعجالي لتحسين حياة 9 ملايين من سكان مناطق الهامش، تم تخصيص لها 11815 مشروع، بغلاف مالي إجمالي قدّر بـ 207 مليار دينار جزائري لفائدة 9502 منطقة فقيرة، تعود آثاره على 8440347 مواطن.
وعن وضعية البرنامج الاستعجالي المرسوم، فإن العمليات المنتهية وصلت إلى حد كبير من الإنجاز، حيث تم إنجاز 1256 مشروع، بغلاف مالي قدر بأكثر من 15 مليار لفائدة 1014 منطقة ظل، غطّت 716 ألف مواطن.
أما بالنسبة للعمليات التي هي في طور الانطلاق، فتوضّح أرقام الداخلية التي تحوز مجلة “التنمية المحلية” على نسخة منها، تسجيل أكثر من 5 آلاف مشروع، بغلاف مالي إجمالي يصل إلى 95.5 مليار دينار، حيث تمس العملية 4283 منطقة ظل، لفائدة أكثر من 3 ملايين مواطن (3896095 مواطن).
وللتفصيل أكثر، فإن إنجاز المشاريع لـ 1282 منطقة ظل سيكون قبل تاريخ 31 ديسمبر2020، خصّص له مبلغ مالي يقارب 10 مليار دينار، وهذا بتنفيذ 1585 مشروع، أما فترة نهاية الثلاثي الأول لسنة 2021، ستمس 2035 عملية تنموية، في 1585 منطقة ظل، بغلاف مالي يصل إلى أكثر من 29 مليار دينار.
وموازاة مع الخطة الإستعجالية التي أقرّتها الحكومة، فإن نهاية الثلاثي الثاني لسنة 2021، ستمس قرابة 900 ألف مواطن يقطنون بـ 809 منطقة نائية، استفادت من أكثر من 23 مليار دينار لإنجاز 949 مشروع. وعن نهاية الثلاثي الثالث من سنة 2021.
فقد قدرت المشاريع الإستعجالية بـ 710 مشروع، يخص أكثر من 600 ألف قاطن، بتغطية مالية تصل إلى 33 مليار دينار، لـ 607 منطقة فقيرة.
وفي خضم كل هذه الأرقام والمعطيات المتوفرة، فإنّ قانون المالية لسنة 2021 المصادق عليه من قبل البرلمان بغرفتيه، خصّص هو الآخر حيّزا هاما لمناطق الظل والتنمية، وكانت أبرز عناوينه أن مخططات البلدية للتنمية في صلب اهتمامات قطاع الداخلية.
وخصّصت الدولة غلافا ماليا يقدر بـ 100 مليار دج، سيوجّه نصف شطره لتلبية احتياجات مناطق الظل لتمويل إنجاز مشاريع، ووفقا للأرقام فقد تم إحصاء 8500 مشروع في طور الانجاز خصص لها مبلغ قدره 145 مليار دج.
محاولات يائسة لتعطيل التّنمية
بالرغم من الجهود التي تبذلها السلطات العليا، إلا أن هناك من أسماهم الوزير الأول عبد المجيد جراد “بعض البيروقراطيين” لا يريدون للبلاد تحقيق التنمية خاصة بمناطق الظل، دون أن يخوض في المزيد من التفاصيل.
يشدّد الوزير الأول خلال اختتام جلسات الحكومة الولاة المنعقد في أوت 2020، على أنه “يتعين على المكلفين بإنجاز المشاريع وتخفيف عبء المواطن في تلك المناطق من تحقيق أهداف والوصول قبل نهاية السنة، لابد من تقييم ما تمّ إنجازه من برنامج الحكومة ورئيس الجمهورية، وهذا بالوصول إلى 60 إلى 70 بالمائة من إنجاز للمشاريع”.
ولأن اقتصاد البلاد يعيش أزمة مزدوجة صحية ونفطية، فإن أولوية الحكومة في مناطق الظل، تتمثل في فك العزلة عبر إنشاء مشاريع تتعلق بالطرقات والتزويد بالماء والكهرباء، وتقديم خدمات لقاطنيها على غرار الصحة والتمدرس، وتأجيل المشاريع الباهظة، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن توفير كل مستلزمات الحياة في مناطق الظل، من شأنه أن يعود إيجابا على اقتصاد البلاد، من خلال “نزوح حضري” في المستقبل إلى القرى ومناطق الظل في ظل توفر مختلف ظروف الحياة الكريمة.
يضمن تكافؤ الفرص بين المناطق النائية والمدن. هذا البرنامج ــ حسب آخر تصريحات صادرة عن مستشار الرئيس مكلف بمناطق الظل ــ “جعل المواطن يتصالح مع وسطه ولا يفكر في النزوح إلى مناطق أخرى، ما سيسمح بتخفيف الضغط عن المراكز العمرانية الكبيرة، وسيمكن من دفع الاستثمار في مجالات زراعة الحبوب وغراسة أشجار الزيتون ومختلف الأشجار المثمرة، وتربية الأغنام والبقر والنحل لاستحداث مناصب شغل”.
أيادي جزائرية “متلاحمة”
في خضمّ كل هذه الجهود المبذولة، لتحقيق تنمية مستدامة في الجزائر، لا تزال أطراف تعمل في الخفاء ضد الصالح العام في البلاد، وبكل وضوح، وبأياد داخلية وخارجية لتنفيذ أعمال “إجرامية”، اتخذت في آخر محاولاتها “اليائسة” من ظلمات الليل زمنا لها لإشعال غابات الجزائر، المنتشرة عبر عديد ولايات الوطن.
يقطن الآلاف من المواطنين لضرب كل محاولات الإصلاحات في البلاد، حيث أرادت بإشعال النيران أن تطفأ شعلة التنمية بتلك المناطق المحسوبة على مناطق الظل،غير أن فطنة الجزائريين الذين هبّوا رفقة المصالح المختصة لإطفاء تلك النيران، أحبطت من عزيمة تلك المحاولات ووقفت لها بالمرصاد.
بل أنّ حملة “ليغرسها” التي أطلقتها مصالح الوزارة الأولى بالتعاون مع الجهات الأمنية والمحلية، لزراعة أكثر من 31 مليون شجرة، أخرجت جزائريين من أجل غرس الأشجار، وأعادت الأمل في إحياء تلك المناطق والحفاظ على الجزائر وسكانها، في السهول، الجبال والهضاب.