ينبغي القول إن التنمية المحلية مسألة استراتيجية في أي اقتصاد، وهي طبعا جزء من استراتيجية اقتصادية شاملة. لقد عبرت الأدبيات السياسية الرسمية عن ذلك بصيغ مختلفة، مرة باسم التوازن الجهوي ومرة باللامركزية واللاتمركز ومرات أخرى بالتنمية المحلية.
وواضح أن الاستخدام الأمثل لمزايا أي منطقة من مناطق البلاد، من حيث الموارد ومن حيث جملة من المعطيات الأخرى، طبيعة الإقليم ومناخه وتضاريسه وحتى الرأسمال الاجتماعي الثقافي العام، هي عوامل لا بد من الانطلاق منها في بناء السياسات والبرامج ولا بد من أن تؤخذ بعين الاعتبار في بناء استراتيجية التنمية العامة.
التنمية بشكل عام والتنمية المحلية بشكل خاص، تتسم بتنوع أبعادها، وغايتها في كل الأحوال التواؤم بين الطبيعة والموارد البشرية للاستجابة لمستلزمات ترقية المجتمع في جميع الأبعاد.
إن التنمية ليست مسألة اقتصادية بحتة وليست مسألة مادية وكمية، بل هي شاملة لا تترك مجالا إلا أولته ما يستحقه من اهتمام ومن تكفل.
ينبغي إحداث قطيعة معرفية وسياسية مع رؤى تبسيطية تحاول أن تجعل التنمية المحلية مجرد برمجة لإنجاز مدارس وسكنات وطرق وإيصال للخدمات المختلفة من كهرباء وغاز وغيرها، تلك رؤية تتسبب في قصور وتعطيل الجهد الذي ينبغي بذله في مجال التنمية المحلية، فهناك مسائل نظرية لا يمكن إهمالها في إعداد الرؤية الاستراتيجية وفي إعداد السياسات التنفيذية.
إن تنظيم الجهذ المحلي وإحداث التناسق بين كل الجهود، سلطات عمومية وشركات عامة وخاصة ثم مجتمع مدني وجامعات ومعاهد وحتى مراكز بحث وغيرها كثير ينبغي أن يكون لكل منها دور ووظيفة متناغمة ومتكاملة مع أدوار باقي الأطراف.
إن التمويل العمومي وحده لا يمكن أن يشكل حلا حقيقيا يضمن التنمية المحلية في جميع أبعادها، فكل الدراسات أكدت أهمية الوصول لأساليب مبتكرة في التمويل وفي إنتاج الثروة وتوظيفها محليا. فكلما زادت الموارد المحلية كلما وفرت شروطا يمكن استخدامها في وضع الاستراتيجية وفي وضع السياسات والبرامج محليا.
إن قوة التمثيل للمجتمع المحلي، من خلال المجالس ومن خلال مكونات المجتمع المدني، عامل آخر من العوامل التي توفر شروط إضافية لقيادة السياسات والبرامج وتجسيدها.
كما أن طبيعة العلاقة بين هذا التمثيل وبين الإدارة إما أن تكون عائقا، كما أظهرت التجارب السابقة، أو أن تكون عامل تهدئة ومشاركة فعلية فاعلة في تصور بدائل الحلول وفي ضمان أوسع مشاركة للناس في الجهد المحلي العام.
إن النقص الكبير هو في الحوار في كل هذه المسائل وغيرها كثير من قبل الخبراء والاقتصاديين والمسؤولين في المستوى المحلي، ونطمح المساهمة في حدود دور إعلامي واعي ومنظم في توفير فضاء يحتضن مثل هذا الحوار وجهد التفكير الجماعي وجهود المحلي وتعميم نتائجه.