أطلقت عدة عمليات ترميم وإعادة تأهيل معالم تراثية جنائزية ودينية آيلة للإنهيار في كل من غرداية ومتليلي، حسب ماكشفت عنه مديرية الثقافة والفنون لولاية غرداية.
تهدف هذه العمليات، التي حددت بالتعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة بالمجتمع المدني بالدرجة الأولى إلى تثمين التراث المادي لمنطقة غرداية، وجعلها أكثر جاذبية لإرساء تنمية سياحية مستدامة.
كما تندرج هذه العملية في إطار برنامج وزارة الثقافة والفنون التي ترمي إلى تشجيع ترميم التراث من خلال حملات تطوعية و لتكون دعما للحركة الجمعوية المحلية المتخصصة في هذا المجال.
وأوضح مدير المشروع بمديرية القطاع محمد علواني، أن أشغال الترميم تخص مقبرتي باعيسي وعلوان وبابا ولجمة القديمتين ومقام عمي موسى أحد المؤسسين الأوائل لقصر غرداية الذي يعود تشييده الى 1048 ميلادي، وكذلك مسجد الشيخ عمي سعيد، ومئذنة المسجد العتيق لقصر متليلي.
وأضاف مدير المشروع، أن هذه العملية سبقتها دراسة شاملة ودقيقة قام بها خبراء في مجال ترميم التراث الثقافي والمعماري طبقا لقانون حماية التراث الثقافي (04/98)، وذلك بهدف إعادة إعطاء هذه الكنوز الثقافية قيمتها الثمينة بما يجعلها تساهم في حركية التنمية المحلية سيما في مجالي السياحة والصناعة التقليدية.
وأضاف علواني بأن أشغال ترميم هذه المعالم الجنائزية والتاريخية الواقعة بسهل وادي ميزاب، أسندت الى جمعية “أوزلان ميزاب” بغرداية في حين تتكفل جمعية “الإثراء” للتراث الثقافي والمعماري بمتليلي، بأشغال ترميم منارة مسجد القصر العتيق بمتليلي بمتابعة من مديرية الثقافة والفنون وديوان حماية وترقية وادي ميزاب.
وسيستفيد أعضاء الجمعيتين المكلفتين بترميم تلك المعالم التاريخية من تكوين “مجاني”، في إطار اتفاقية أبرمت بين وزارتي الثقافة والفنون والتكوين والتعليم المهنيين بإشراف مهندسين من ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته.
وأشار ذات المتحدث، بأن عملية إعادة تأهيل وتثمين تراث المنطقة الذي تعرض لعوامل التدهور، ستتم وفق الإطار المعياري لترميم التراث المبني ووفق مقتضيات تطور تقنيات الترميم.
للإشارة، فإن سهل وادي ميزاب الذي يضم أربع بلديات (غرداية وبنورة والعطف و ضاية بن ضحوة) يزخر برصيد تراثي ومعماري ذي أهمية وطنية وعالمية.
ويكمن اهتمام الفاعلين في الثقافة بغرداية، في الترويج للطراز المعماري المميز الذي ورث عن الأسلاف بمنطقة ميزاب، والمصنف من قبل المنظمة الأممية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تراثا عالميا في 1982 ، فضلاً عن الثراء الفني والثقافي الفريد من نوعه الذي تزخر به المنطقة.
وتشتهر منطقة مزاب التي تعد جوهرة معمارية وثقافية حقيقية بقصورها (السبعة)، وهي بمثابة متحف مفتوح على الطبيعة والتي كانت قد شيدت بطابع عمراني فريد من نوعه الذي يعتبر من روائع المعمار العالمي وقد صمم بمهارة على شكل بيوت تنحدر بشكل منظم ودائري فوق موقع صخري ممتد على سهل طويل، والذي أصبح بمرور الوقت محل استقطاب وإعجاب السياح، ومصدر إلهام لعديد المهندسين. والمتخصصين الباحثين والأكاديميين في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن.
وحسب مهتمين بالتراث فإن هذا الفضاء المعماري العريق، يشهد حالة من التدهور بسبب العوامل المناخية وأيضا تدخلات الإنسان والتي غالبا ما تكون سلبية، وهي الوضعية التيأصبحت محل انشغال كبير للهيئات الوطنية والعالمية بهدف إنقاذه وترميمه.
ويوجد من بين هذا الرصيد التراثي القصور والمساجد والمعالم الجنائزية بالإضافة إلى منشآت الري القديمة المنتشرة، عبر بساتين النخيل وأحواض الأودية على غرار الآبار التقليدية وأخرى لتجميع مياه الأمطار وكذا النظام التقليدي لتوزيع مياه الأودية.
ويتوخى من تلك العمليات تثمين هذا التراث التاريخي، الذي يشهد على عبقرية الإنسان الذي عاش في تلك المنطقة مستعملا مواد بناء محلية (الأحجار والجير)، وأيضا تسيير الموارد المائية والمحافظة على التوازن بين هذا التراث المبني وبين التراث الطبيعي (الواحات).
ومن خلال عمليات إعادة الحياة لتلك المعالم ستستعيد قصور ميزاب زخرفتها الحقيقية، وإشعاعها العريق وطابعها الجمالي بما يسمح لهذا التراث الوطني المصنف “قطاع محفوظ” في 2005 بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05/209 أن يكون محركا لترقية السياحة سيما الثقافية على مستوى المنطقة.
وبالنسبة للمسؤولين المحليين فإن إعادة تأهيل وتثمين التراث المادي لهذه الولاية، من شأنه بعث النشاط السياحي وتثمين الصناعة التقليدية المحلية بتنوعها المتميز للمعالم التاريخية، وجعل هذه المجالات إحدى نقاط القوة لسياحة ثقافية جذابة تحترم البيئة.