يقول زبير بلمامون وهو مفتش سابق في التربية ونائب مدير معهد قطاع التربية الوطنية بولاية بشار، إن نهضة أي مجتمع تبدأ بالمنظومة التعليمية..
لهذا الأستاذ المتقاعد رؤية خاصة عن التعليم، نابعة من مقارنة المدرسة بين الأمس واليوم.
كيف ترى المدرسة الجزائرية بين الأمس واليوم؟
إذا أردنا أن نقارن المدرسة الجزائرية بين الأمس واليوم، ينبغي أن يكون ذلك على أسس، من ناحية المنهاج، ونقارن من ناحية المعلم، والتلميذ ونقارن كذلك الهيكل.
الهياكل كانت في البداية بسيطة ولهذا نجد أن مدارس التعليم بأطواره الثلاثة كانت في عواصم المدن فقط، وكانت الكثير من القرى والمدن الأخرى تفتقر إلى مدارس التعليم المتوسط أو التعليم الثانوي.
على سبيل المثال أنا درست في مدرسة إبتدائية كانت في قرية، لكني انتقلت إلى مدينة قريبة لأكمل التعليم المتوسط، ونفس الشيء بالنسبة للتعليم الثانوي، انتقلت إلى مدينة أخرى لأدرس في التعليم الثانوي.
آنذاك كان معلم التعليم الابتدائي حاصل على شهادة التعليم المتوسط فقط، أو على شهادة التعليم الثانوي بالنسبة لأستاذ التعليم المتوسط.
كان كل من بلغ مستوى الرابعة متوسط يتوجه إلى معاهد التكنولوجيا لتكوين المعلمين والأساتذة، فيتخرج معلما للابتدائي بعد سنة، وأستاذا للتعليم المتوسط والثانوي بعد سنتين، وكان يطلب منهما مستوى سنة الثالثة ثانوي، وأستاذ التعليم الثانوي كان ينبغي أن يكون جامعيا، هذا من حيث الإطار.
أما من حيث الهياكل، فالحمد لله للجزائر كم هائل من المدارس والمتوسطات والثانويات بل حتى بالجامعات، كما تلاحظ في كل ولاية جامعة، حتى أصبح التلميذ يمكن أن يدرس التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي بل حتى الجامعي في مكان إقامته.
المناهج تدرجت من مناهج محتويات كانت تركز فقط على المعرفة، وتهمل إلى حد ما التلميذ لأن هدفها كان هو حشو عقول المتعلمين بالمعلومات والمعارف. وهذه تعتبر سلبية لكن فيها ايجابيات، سنتحدث عنها فيما بعد.
ثم جاءت المدرسة الأساسية وعرفت أيضا نفس الشيء واعتمدت على المناهج، ثم دخلت المقاربة ببداغوجية الأهداف سنة 1996 و1998 إلى غير ذلك..
تغيرت النظرة للمنهاج الذي كان يعتمد في البداية فقط على المحتويات والمعلومات والمعارف، وكان ينبغي على التلميذ أن يحفظ ويسترجع، أما في بيداغوجية الأهداف التي جاءت سنة 1990، حيث دخلت إلى المدارس تغيرت القضية إلى حد ما أصبحت تهتم بالمجال الوجداني والمجال العاطفي والمجال الحسي حركي، وينبغي للأهداف أن تكون محددة، وينبغي أيضا صيانتها، وعلى المعلم أن يعرف النقطة التي يريد أن يصل إليها بإشراك المتعلم.
في المدرسة الجديدة مدرسة الإصلاح، تغيرت الوجهة والنظر، حيث أصبحت لا تهتم بالمعلومات، وإنما تهتم بالجانب العملي والجانب السلوكي الذي يركز على تحريك التلميذ وتوجيهه وتنشيطه من أجل أن يبني تعلماته، فالمعلم ما هو إلا موجه، يوجه هذا التلميذ، يحركه، ينشطه، يدفعه ويحفزه، وهو الذي يبني تعلماته، ويوفر له المادة والتلميذ هو الذي يبني تعلماته، في حين معلم المدرسة القديمة كان هو المصدر الوحيد للمعرفة.
كيف ترى الجانب الخدماتي في مدارس اليوم مقارنة بالأمس؟
في الجانب الخدماتي، الجزائر متميزة كثيرا. في الابتدائي في السبعينيات، أذكر جيدا في بداية السنة كانت توزع الأدوات المدرسية والملابس والمآزر، وكانت المطاعم المدرسية أيضا مطاعم بمعنى الكلمة، تبدأ بفطور الصباح المتكون من الخبز والحليب إلى غير ذلك، ثم تناول وجبة أخرى بعد انتهاء الدوام الصباحي، وهذه ما تزال قائمة لحد الآن، فقط هناك إشكالية في تسيير هذه المطاعم.
في البداية كانت المطاعم تسير من طرف المدرسة الابتدائية وبالتالي كان المخزون يتجه نحو المتعلمين، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت البلدية هي التي تشرف على تسيير المطاعم، فحدثت كوارث في المطاعم، بعدما فشلت هذه البلديات في تسيير هذا الملف.
من الأحسن لمطاعم المدارس الابتدائية المدرسية أن تستقل. لا يعقل لمؤسسة أن تسير بقبعتين، قبعة البلدية وقبعة مديرية التربية، بمعنى أن المدرسة الابتدائية اليوم فيها الإداري والمعلم، والتعليم من مديرية التربية، لكن الخدمات والتدفئة والإطعام والمواد التنظيف كلها من البلدية، وأغلب المدارس على المستوى الوطني تعاني بسبب هذه المشكلة.
من غير المعقول مثلا أن تقدم البلدية لمدرسة ابتدائية، قليل من الصابون والجافيل ومكنسة لتسيير عام كامل، لذلك الأفضل أن تستقل الابتدائيات بميزانية خاصة بها.
يعاني الكثير من مديري المدارس الابتدائية من هذه المشكلة، بحيث أن المدير إذا لم تكن له علاقات ويحسن الإستجداء وطلب الآخرين وله علاقات جيدة، فلا يمكن أن يلومه أحد أذا شاهد المدرسة غير نظيفة، ولا أدري لماذا المتوسطات والثانويات لديهم ميزانية خاصة، وتحرم الابتدائيات من ذلك.
ثانيا المدرسة الابتدائية محرومة من أشياء كثيرة أيضا، فمثلا المدير هو الذي يفتح الباب، وهو الذي يغلقه وهو الذي يحرس التلاميذ، وهو الذي يقوم بكل المهام، بينما لم يكن ذلك موجود في السابق.
ماذا عن المعلم، هل هو نفسه معلم الأمس أم تغير؟
معلم الأمس كان يحظى بمكانة رفيعة وعالية، في المجتمع، والمعلم لم يتغير كثيرا مقارنة بالأمس ماعدا في مسألة التكوين.
لو تسائلنا، هل يلتفت إليه المجتمع ويكرمه إذا نجح الأبناء في إحدى الشهادات، شهادة التعليم المتوسط أو شهادة البكالوريا مثلا؟
ماذا عن المكتبات والمقروئية؟
لا يصنع العقل إلا القراءة وكلما زادت المقروئية والمطالعة كلما زاد الوعي.
كُنت أجمع المعلومات عندما كنت أدرس، ولما كنت أستاذ تعليم في المعهد التكنولوجي أدرس تربية وعلم نفس ومنهجية الخ. وبعدما تقاعدت وضعت كل تلك المعلومات في كتب، على أمل أن ينتفع بها المعلمين الذين لا يدرسون في المعاهد التكنولوجية، وبالتالي يحتاجون إلى هذه المراجع، التي تحتوي معلومات في علم النفس التربوي، وفي إستراتيجية التدريس، وفي أساليب التدريس. تركز هذه الكتب على علوم التربية ومدخل إلى علم النفس التربوي، تدريس هندسة ومهارات وفي كانت في المجالات التي تفيد المعلم. الحمد لله عرفت انتشارا في ولاية بشار.
تحديات المدرسة الجزائرية؟
التحديات التي تواجه المدرسة الجزائرية كثيرة جدا، منها هذه التغيرات اللامدروسة في المناهج.
المنهاج لم تتم صياغته من طرف خبراء متخصصين، فيهم الأخصائيين النفسانيين، والبيداغوجيين والمتخصصين في التعليمية.
اللجان الوطنية التي وضعت المنهاج لم تشرك فيه أستاذ الميدان. أعرف في بلدية لواتة ببشار، من لديه برامج تعليمة رائعة في الرياضيات، وأستاذ آخر من ولاية البيض يمتلك كفاءات رهيبة جدا. لماذا لا نستعين بمثل هؤلاء الخبراء؟
طبعا هذا لا يعني أن المنهاج كله سيئ وسلبي، بل فيه ما هو جميل مثل المقاربة بالكفاءات، لكن هل وفرنا شروطها؟ مثلا الجزائر كانت تعتمد على المحتوى ثم انتقلت إلى بيداغوجية الأهداف ثم إلى المقاربة بالكفاءات، وهذا شيء جميل وهو موجود في عدد من الدول، لكن هنا نطرح سؤالا: هل وفرنا شروطها؟ هل ظروف تلك الدول مثل ظروف الجزائر؟ طبعا لا لأن تلك الدول لديهم عدد العتبة في القسم لا يتعدى 25 تلميذا، بينما تصل في مدارسنا إلى 52 تلميذا. في الدول المتقدمة الخبراء هم من يقومون بصياغة البرنامج وليس اساتذة جامعيين كما هو الحال عندنا.
أيضا قضية تكوين الأساتذة، هل هذا المنهاج الذي يراد تطبيقه قام بتكوين الأستاذ، طبعا لم تتم هذه العملية وأصبح الأستاذ يتم تكوينه في نصف يوم، فيضطر المفتش لتبليغ بعض المعلومات المجتزئة والقليلة والقصيرة ويطلب من الأساتذة أن يطبقوها.
تدريس التاريخ والجغرافيا سنة الخامسة ابتدائي، غير مجدي، طالما أن علم النفس يقول إدراك الزمان والمكان يكون في تسع سنوات. هل يعقل أن يدرس تلميذ سنة ثالثة تاريخ ما قبل التاريخ، وهذا يدرس في الجامعة، لماذا لا يتم الاكتفاء بتدريسه التاريخ القريب المتعلق بالمكان والمحيط الذي يعيش فيه فقط.
مشاء الله مقارنة جد مهمة
شكرا استاذ ونفع الله بك الأمة