يقترن مفهوم السّياحة بالاستكشاف والتّرحال بين مناطق العالم، وتستعمل لهذا الغرض وسائل نقل تتنوّع مسالكها بين بريّة، بحرية وجويّة، وتطوّرت أشكالها عبر السّنين، متأثّرة بمختلف مظاهر التّقدّم الصّناعي والتّكنولوجي.
من المشي على الأقدام، حقبة كانت الرّحلة تقاس خلالها بعدد الأيام المستغرقة، إلى استعمال الحيوانات من خيول وإبل ثم ابتكار العربات مع ظهور الثّورة الصّناعية العالمية، لتصل اليوم إلى أزرار بسيطة تصطف بتقنيات عالية على لوحة جهاز هاتف نقال أو كمبيوتر، لتصبح الزّيارات الافتراضية نوعا جديدا من المتعة تنقلنا إليها التكنولوجيا دون مبارحة أماكننا، ونوعا من الإغراء تستعمله وكالات السّياحة لإقناع المستهلك بضرورة تذوّق المنتوج السياحي على أرض الواقع، خاصة إن كان من صنع طبيعة أبدع الخالق تفاصيلها.
هو تماما ما ينطبق على الصّناعة السياحية الجزائرية، حيث تلتقي آراء الخبراء وإطراء السياح أجانب كانوا أو محليّين مع تعليمات السّلطات العمومية على رأسها رئيس الجمهورية شخصيا، إذ يعتبر أنّ الوقت قد حان لتغيير الوجهة من باطن الأرض إلى سطحها، وجعل السياحة قاطرة للاقتصاد الوطني لابد أن ترتقي إلى مستوى العالمية من حيث تطوير البنى التحتية المنتجة للخدمات السّياحية، بما فيها استعمال تكنولوجيات الإعلام الاتصال الحديثة في التّسويق السياحي، وما يسمّى بالسّياحة الإلكترونية.
رفعت التّحديات وأعلن السّباق ولا مكان للمتأخّرين، حقيقة تدركها السّلطات العمومية تماما، وتعمل جاهدة على التموقع عالميا بقوّة وبإستراتيجية آمنة اقتصاديا تقوم على مواكبة العصر، إيمانا منها على أنّ النّجاح من خلال تسجيل أرقام موجبة تصاعدية في القطاعات الحسّاسة لا يكون إلاّ من خلال التحكم في “الكيف” وإتقان آلياته، لذا فهي تحاول جاهدة الرّبط المتجانس بين المؤهّلات التقليدية وتقنيات العمل الحديث، الذي أصبح “الجديد المتطوّر” ماركتها المسجّلة.
اليوم يضاف إلى اللغة الانجليزية كلغة عالمية توحّد كل المفاهيم العلمية واللغوية بين بلدان العالم، لغة جديدة تتمثل في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، سلاح صامت، تتسابق الدول إلى التحكم في تقنياته كوسيلة حرب سلمية جديدة، لضمان البقاء في عالم صار مصيره متعلقا بنقرة زر. وهو ما نلتزم به ونعتمده في تسيير كل القطاعات دون استصغار لدور وحيوية أيّا منها، من خلال استحداث مديريات الرّقمنة أو العصرنة أو التّسيير المعلوماتي أيّا كانت التّسميات الإدارية، الهدف موحّد وهو التحكم في تكنولوجيات الإعلام والاتصال من أجل خدمة أكثر دقّة وأعلى جودة، أكثر اختصارا للوقت.
الجزائر القارّة
اعتبار الجزائر قارّة، استنادا على شساعة رقعتها الجغرافية مفهوم خاطئ، هي كذلك بعمقها التاريخي وتموقعها العنكبوتي الذي يتوسّط القارّة الإفريقية، لينسج خيوطا تاريخية تربط بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط من الشمال وأخرى بين أطراف القارة الإفريقية الأربع باعتبارها تتوسّط هذه الأخيرة، ما جعلها تتميّز عن باقي البلدان الإفريقية بانفرادها بمزيج طبيعي حضاري أفرو-أوروبي من حيث تنوّع المناخ، حيث صادف وأن عشنا وفي عديد من المرات اختزال الفصول الأربعة في يوم واحد أحيانا، يضاف إليه تنوّع طبيعي يردي زائرها عاشقا من النّظرة الأولى لما لذلك الصّمت الصّحراوي الشّاسع الخاشع من سحر لا يقاومه أي تمرّد بشري، صادقت عليه الحفريات الموجودة، منذ آلاف السّنين على صخور جبال الطاسيلي والهقار. وذلك الاخضرار الممتد من الشرق إلى الغرب يعيد الحياة إلى من انتحرت بداخله معاني الجمال، وهجر إغراؤها عيونه ممّن لم يتمكن يوما من زيارة حجة الخالق كما أسماها، مفدي زكريا، شاعر ثورتها، معجزة تضاف إلى معجزات الجزائر.
ما فوق الأرض من حضارة وطبيعة وموروث مادي ولامادي يشهد على كرم جزائري أصيل، ينافس ما تحتها من معادن ومحروقات من حيث إمكانية المساهمة في الإنعاش الاقتصادي، وتحقيق إيرادات بالعملة الصّعبة وفتح مناصب شغل. تشكّل الآن محاور كبرى في استراتيجية البناء الاقتصادي للجزائر الجديدة، التي هدرت الكثير من الوقت في الصّراعات السياسية، لتسلك اليوم منعرجا يؤمّنها من مطب الوقوع فريسة للاستدانة الخارجية، حيث لا يكون ذلك إلاّ بتكاثف الجهود، واستثمار كل التّفاصيل بأحدث الإمكانيات.
رئيس الجمهورية يتابع شخصيّـا
ما ذكرناه سالفا من ثراء طبيعي وحضاري لبلادنا جعلها تستبدل في مقاربتها الاقتصادية الجديدة، اقتصاد الرّيع القائم على عائدات المحروقات باقتصاد قوي يقوم على موردي الفلاحة والسياحة، حيث أمر رئيس الجمهورية وبشكل خاص الحكومة بالعمل على تنويع الاقتصاد الوطني، وذلك بالبحث على موارد خارج الثّروة النفطية، وترويج القطاع السياحي من خلال فتح الاستثمار أمام الخواص، وتشجيع كل المتدخّلين والفاعلين في هذا القطاع الذي يتميز باختلال واسع بين مؤهّلاته الطبيعية والحضارية، وكذا البشرية وإيراداته.
وهذا ما جاء صراحة في اجتماع مجلس الحكومة المنعقد في 04 أوت 2021، حيث قدّم الوزير الأول تعليمات صريحة بضرورة الحفاظ على النّشاط السياحي رغم الجائحة من خلال دعم مالي لفائدة المؤسّسات والمتعاملين السياحيين، وتسهيل الحصول على العقار السياحي وتشجيع الاستثمارات وتمويل المشاريع السياحية، كما ركّز خصوصا على ترقية وجهة الجزائر من خلال اللجوء إلى التكنولوجيات الجديدة، والترويج الإعلامي على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل استقطاب أكبر عدد من السياح، واستغلال الفرص التي تصب في مجملها لرواج السياحة الإلكترونية، تماشيا مع معطيات العصر وطبيعة التركيبة الاجتماعية للأفراد التي أصبحت مستهلكة من الدرجة الأولى للمحتوى الإلكتروني، وهذا من خلال اتّباع سياسة تسويقية فعّالة تعتمد على أحدث تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
وزارة السّـياحة تلتزم
في حديث لمجلة “التنمية المحلية” مع مستشار وزير السّياحة والصناعة التقليدية، نبيل ملوك، أكّد هذا الأخير سهر وزير السّياحة والصّناعة التّقليدية على عصرنة القطاع من خلال تطوير آليات ممارسة الصّناعة السياحية، خاصة ما تعلق بتشجيع استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة، وتعميم استعمالها في تسيير وتقديم المعلومات التي تستند عليها صناعة السياحة.
ويضيف أنّ اللجوء إلى استعمال التكنولوجيات الحديثة في كل المجالات صار حتمية نظرا لطبيعة الفرد، الذي أدمن استعمالها وأصبحت جزءاً من يومياته، يتحكّم في أغلب نشاطاته. زاد في رواج النّشاط الافتراضي للأفراد، جائحة كورونا التي قلّصت الحركة وأصبح التعامل يتم عن بعد، فبعد الاجتماعات التي تعقد عن طريق تقنية التّحاضر عن بعد، اعتمدنا الزّيارات الافتراضية عن طريق فيديوهات ترويجية لمختلف مناطق بلادنا، بهدف التّعريف بالوجهة السياحية الجزائرية، وإيصال الرّسالة إلى المستهلك في أقرب وقت وبأقل تكلفة.
وهي التّوجيهات التي قام بها وزير السّياحة والصّناعة التّقليدية، ياسين حمادي، إلى المؤسّسات تحت الوصاية، وكذا الشّركاء الاقتصاديّين وكل الفاعلين في مجال السياحة، كما أكّد على التنافسية التي وصلت حد الخروج عن المألوف في هذا المجال، بحكم أنّ كل البلدان اتّجهت لتطوير السياحة الداخلية. فإن كانت الجائحة قد فرضت علينا عزلة جغرافية، فإنّ المملكة الزّرقاء، مختصرة في أجهزة حاسوب أو هواتف، قد حرّرت الجميع من كل الأرجاء على اختلاف وتباين كل الأذواق والانتماءات دينية أو جغرافية أو ثقافية كانت. فالسياحة والتلذذ بجمال الأرض، لغة عالمية ومتعة مشتركة.
كما شدّد الوزير – حسب نبيل ملوك – في كل مناسبة على ضرورة الاستجابة لمتطلّبات الزّبون، من بينها توفير المعطيات والمعلومات السياحية في أسرع وقت، وإلى أبعد نقطة ممكنة من أجل أكثر استقطاب للسياح.
ودائما في إطار تطوير السياحة الإلكترونية، كشف مستشار وزير السياحة لمجلة “التنمية المحلية” عن مشروع إنشاء تطبيقات سياحية إلكترونية، وضعت وزارة السياحة من خلاله ثقتها في شباب حاملي مشاريع في مجال السياحة الإلكترونية، حيث سيتم إبرام اتّفاقات مع شباب حاملي المشاريع في هذا المجال، في إطار التضامن القطاعي والشّراكة مع وزارة المؤسّسات النّاشئة، من أجل منح الفرصة وفتح الأبواب أمام الشباب لولوج عالم الأعمال.