مصاعب التّنمية المحليّة متعدّدة الأبعاد، فهي اقتصادية وهي تنظيميّة وهي تسييريّة، وهي أحيانا في نقص الموارد البشرية المؤهّلة، كما أنّها أحايين أخرى متّصلة بالعدالة في توزيع منافع التّنمية، وفي توزيع موارد التّمويل الوطنية.
لقد التزم الرّئيس عبد المجيد تبون بـ “تعزيز الدّور الاقتصادي للجماعات المحليّة في تطوير وتنويع الاقتصاد الوطني”، مؤكّدا أنّ ذلك مشروط بتجسيد عمليات إصلاح وتغيير متنوّعة وعميقة، لأنّ آثارها ستكون إيجابية على كل برامج التّنمية، ومنها التنمية المحلية.
لقد عرفت الإدارات المحلية والمؤسّسات الاقتصادية المحلية، تقلّبات تنظيميّة، وتضرّرت من سياسات متناسخة حينا ومتضاربة أحيانا أخرى، ثم جاء زمن شحّ الموارد المالية بعد تراجع أسعار المحروقات في السّوق الدولية، إضافة لمختلف الأزمات التي عاشتها البلاد في مراحل مختلفة، منها “المأساة الوطنية” في عشرية التّسعينيات، ثم ما انتشر من فساد ومن تداخل بين السّلطة والمال في العشريات الأخيرة.
اليوم تسعى السّلطات العمومية لتطهير مناخات العمل الاقتصادي والاستثماري في شتى المجالات، وتسعى لتوزيع أكثر عدلا لثروة البلاد، لتوفير شروط تجاوز ما حدث من اختلالات، وتعد مناطق الظل، كما سمّاها رئيس الجمهورية، التّعبير الأكثر وضوحا عنها.
إنّ تمركز القرار حينا، واحتكاره أحيانا أخرى، تسبّب في مصاعب جمّة في إدارة الكثير من مسائل التنمية. فآليات اتّخاذ القرار، كما كانت، أثبتت أنّها أساءت لسمعة الإدارات العمومية، وضربت مصداقيتها بشكل عميق، كما نشرت الكثير من القصور والتقصير، وطردت الكثير من الذّكاء وعمّمت الكثير من الفساد.
لقد لاحظت الكثير من الدّراسات والتّقارير، أنّ مردودية استثمارات برامج التنمية المحلية ظلّت محدودة وأحيانا محدودة جدّا أو منعدمة، فتأخّر إنجاز المشاريع وإعادة تقييم كلفتها، كان ظاهرة تتكرّر على نطاق واسع، أما نوعية الإنجاز فحدّث ولا حرج. تلك مشاكل صارت إشكاليات بلا حل، ثم صارت عوائق كابحة للتّنمية.
اليوم تقوم البلاد بعمليات تطهير واسعة النّطاق ومتعدّدة الأبعاد، ومنها على وجه الخصوص، الفصل الواضح والملموس بين السّلطة والمال، كما وجّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وهو ما يعني حماية وظائف الدّولة الأساسية في فرض القانون وفي إخضاع الجميع للقانون وفي الرّقابة، وفي المراقبة على الصّفقات وعلى إنجاز كل البرامج والمشاريع وكيفية منحها ومراقبة تجسيدها الفعلي وكلفتها الحقيقية.
إنّ قوّة مؤسّسات الدّولة ومصداقية إدارتها هي الشّرط الأساسي لقيام دولة سيادة القانون، وهي شرط حماية الأموال العمومية من كل نهب أو تبذير أو تبديد.
ولعل واحدا من شروط تحقيق ذلك، اللّحاق بركب التّحوّلات التّكنولوجية، والتّحكّم في مختلف البرامج والآليات والتّجهيزات، من أجل توظيفها لترقية إدارة جميع شؤون الجماعة المحلية، وزيادة نجاعة وفعالية كل المؤسّسات والإدارات. إنّ التّحكّم في التكنولوجيات الحديثة وتطبيقاتها المتنوّعة تمكّن من المتابعة والرّقابة وتتبّع صرف الأموال، وأين صرفت وكيف ولمن؟
وينبغي القول إنّ جدية السّلطات العمومية وإطارات ومسيّري كل الإدارات والمؤسّسات والهيئات، بما في ذلك المجتمع المدني، عامل أساسي في بناء علاقة جديدة بين مكوّنات المجتمع المحلي، وخاصة بين الإدارات والمواطنين وبين الإدارات والمجتمع المدني وبين المواطنين ومن يمثّلهم في المجالس المنتخبة، وعامل أساسي أيضا في ضمان أفضل اختيار لبرامج التنمية والنّجاح في تجسيدها الفعلي، وضمان نوعية الإنجاز وآجاله وكلفته.
لهذا فإنّ الإصلاح والتّغيير والتّطهير ينبغي أن يكون عميقا، وأن يعرف مشاركة واسعة لكل فئات المجتمع، عبر المنتخبين وعبر المجتمع المدني وكل التّنظيمات المهنية.