أسالت سنة 2021 المنقضية، كثيرا من الحبر حول كيفية الانتقال الى نمط تسيير بلدي يشجع تنويع مصادر دخل البلدية، ورفع صلاحيات المنتخبين، لانعاش التنمية المحلية.
في جلسة علنية خصصت لطرح أسئلة شفوية من أضاء مجلس الأمة على عدد من وزراء الحكومة، شهر فيفري من سنة 2021، أوضح وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، كمال بلجود، في سؤال حول موعد الإفراج عن المشروع المتعلق بقانون الجماعات المحلية، أن “قانونا البلدية والولاية أبانا عن محدوديتهما، ليصبح من الضروري إعادة النظر في أحكامهما، خاصة وأن الجماعات الاقليمية تشكل ”حجر الأساس لتنفيذ الأحكام الدستورية والفضاء المناسب لممارسة الديمقراطية”.
وأشار بلجود إلى أن فكرة إجراء إصلاح شامل للتنظيم الإقليمي والتسيير الإداري على المستوى المحلي، في ظل الدستور الجديد، تعتبر إحدى الالتزامات التي تضمنها برنامج رئيس الجمهورية.
وبالفعل في 5 أكتوبر من السنة الجارية نصب الوزير الأول، بقرار من الرئيس تبون ورشات لمراجعة قانون البلدية، من أجل تحسين التسيير المحلي.
ارتكزت الورشات على تطوير الدور الاقتصادي للبلدية لبروز اقتصاد محلي حقيقي يشكل احدى دعائم التنمية والنمو الاقتصادي للبلاد، على أن تقدم نتائجها مع نهاية السنة الجارية، لكن لم يفصح لحد الساعة عن مخرجات اللجان.
وتزامنا مع تنظيم انتخابات محلية لتجديد المجالس البلدية والولائية، تعالت أصوات ممثلي أحزاب بحتمية توسيع صلاحيات “المير” لرفع القيود المفروضة عليه، واقتصار دوره على تسيير النفايات، وتصليح شبكات الصرف الصحي، وما شابهها من خدمات عمومية، لا ترقى إلى مستوى تنشيط اقتصاد محلي وجلب مداخيل واستثمارات، واستحداث مناصب شغل بالبلدية.
وذهب البعض في تحليلاته إلى التأكيد أن المبررات السابقة لتقليص صلاحيات المير ابتداء من سنة 2012، قد زالت، مع حملة القضاء على الفساد والمفسدين.
ودعا ٱخرون إلى إعادة تكييف قانون البلدية مع الدستور الجديد، وتجسيد الديمقراطية التشاركية بتمكين المواطنين والجمعيات من المشاركة في التسيير المحلي. فمن غير المعقول أن يعدل دستور دولة برمتها استجابة لمعطيات جديدة، ويبقى التسيير المحلي أسير تصرفات بالية أدت بكثير من المنتخبين إلى أروقة السجون، عن عمد أو جهل.
رفع التجريم عن فعل التسيير
أسدى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون شهر اوت من السنة الجارية، تعليمة رئاسية تتضمن إجراءات جديدة لرفع قيود تجريم فعل التسيير التي تكبّل المسؤولين المحليين وتعطّل الاستثمارات، في انتظار صدور القانون النهائي.
التعليمة الموجهة إلى وزير الداخلية والجماعات المحلية، وزير العدل حافظ الاختام، وقائد الدرك الوطني، والمدير العام للأمن الداخلي، والمدير العام للأمن الوطني تمنع المبادرة بأي تحريات أو متابعات قضائية ضد مسؤولين محليين دون الأخذ برأي وزير الداخلية.
واستندت التعليمة إلى “تراجع مناخ الاستثمار” بسبب تردد مستثمرين الخوض في مشاريع نتيجة التباطؤ المسجل في معالجة الملفات المتعلقة بالاستثمار المحلي. وأشارت إلى أن هذا التباطؤ نابع غالبا من نقص التحفيز الذي يبديه مسؤولون محليون، لتخوفهم من الوقوع تحت طائلة المتابعات القضائية.
وأوصى الرئيس تبون في نص التعليمة بـ”الحرص على التمييز بين أعمال التسيير التي تدخل في خانة سوء التقدير، وتلك التي تنم عن تلاعبات مقصودة الهدف منها خدمة مصالح شخصية أو مصالح الغير”.
وبالعودة إلى النقاش المحتدم حول كيفية تطوير اقتصاد البلدية، وجعلها “دولة مصغرة”، قال النائب البرلماني عن حزب البناء والتنمية علال بوثلجة، بصفته رئيس بلدية سابق، لدى استضافته لمواقع الشعب اونلاين “أن الجميع يتحدث عن بيروقراطية الإدارة تجاه المواطن ويتناسى بيروقراطية الإدارات فيما بينها”.
وأشار إلى أن مركزية القرار لدى المعينين المحليين بدل المنتخبين، يكبل عمل “المير”، الحلقة الأولى في مواجهة سخط المواطن وتذمره.
متحدثا عن تجربته الخاصة، قال البرلماني إن تحسين مداخيل البلدية يكمن في تطوير مصادر تمويلها، والتي لخصها في مصدرين رئيسيين.
أولا إعادة الاعتبار لممتلكات البلدية وتثمينها، وهذا يستلزم مراجعة قانون 08-15 لتسوية عقار الدولة.
المصدر الثاني هو إعادة النظر في متابعة الـ22 رسم التي تحصلها البلدية، حيث لا يمنح قانون البلدية الحالي أي صلاحية لرئيس البلدية لمتابعة هذه الرسوم الموجودة تحت تصرف أمين الخزينة التابع لوزارة المالية.
قانون انتخابات جديد مشجع للكفاءة
عدّلت هذه السنة مواد عديدة في قانون الانتخابات تحسبا للانتخابات التشريعية والمحلية، التي جرت في 12 جوان و27 نوفمبر على التوالي، واستجابة لدعوات نادت منذ سنوات بضرورة تغيير قانون الانتخابات “المجحف” في نظر الكثير من الفاعلين في المشهد السياسي.
مراجعة قانون الانتخابات سمح بإعادة الثقة في السلطة، وفتح الباب أمام شباب جامعي لولوج عالم السياسة، وخوض تجربته في التشريع والتسيير المحلي، بعد أن بقي لسنوات مجرد “متفرج” ينتظر سن الكهولة، في أحسن الأحوال، لاغتنام فرصة ترجمة تحصيل علمي في الميدان، طال انتظارها.
ينص قانون الانتخابات الجديد على رفع حصة تمثيل الشباب في الترشيحات ضمن القوائم الانتخابية إلى النصف بدل الثلث.
وأيضا إلى “رفع حصة الشباب الجامعي إلى الثلث ضمن القوائم الانتخابية دعما للكفاءات الوطنية وخريجي الجامعات في كل ربوع الوطن”.
بين قانون انتخابات جديد يشجع الكفاءات والشباب، ومراجعة قانون البلدية والولاية من أجل بلوغ تنمية مستدامة، ونصوص لرفع التجريم عن فعل التسيير لتحرير مبادرات المنتخبين المحليين، تكون سنة 2021 خيرا على مستقبل الاقتصاد المحلي وبالتالي الوطني.
مع اسدال الستار على هذه السنة، تشير حصيلة التسيير المحلي للمجالس البلدية المنتهية عهدتها، إلى وجود 900 بلدية تعاني عجزا ماليا.. فماذا ستكشف حصيلة المجالس الجديدة السنوات المقبلة، على ضوء كل هذه التغييرات.