الرّأسمال الطّبيعي، هو الاسم الذّي يُطلق على المخزون الطّبيعي أو الموجودات والأصول التي تُساهم في رفاهيّة الإنسان من خلال إنتاج السّلع والخدمات.
فعلى سبيل المثال، يُمكن اعتبار الغابات مخزونًا يُنتج تدفقًا للسّلع والخدمات للمجتمع، مثل حطب الوقود؛ مواد البناء؛ المنتجات الحرجيّة غير الخشبيّة؛ امتصاص الكربون؛ وأيضًا خدمات مثل تنظيم المناخ؛ فرص التّرفيه؛ التّحكم والفيضانات…إلخ.
ويُسهم هذا رأس المال الطبيعي، والذّي يُطلق عليه أيضًا الدّخل الطّبيعي، في رفاهيّة الإنسان من خلال تدفق هذه السّلع والخدمات، وعليه يُعتبر قطاع الرأسمال الطبيعي أحد القطاعين الرئيسين للاقتصاد الأخضر، وبدورها الغابات تتفرّع كأحد قطاعات الرأسمال الطبيعي، من أصل 12 قطاعًا فرعيّا للاقتصاد الأخضر.
سلامة الغابات لرفاهيّة البشريّة
يتزايد الاعتراف بدور الغابات بوصفها حلًاّ قائمًا على الطبيعة للعديد من تحدّيات التنمية المستدامة، حسبما يتّضح في الإرادة القوية لدى دول العالم المعزّزة في سلسلة من الالتزامات بخفض معدّلات إزالة الغابات، وإعادة تأهيل النظم الإيكولوجيّة المتدهورة في الغابات.
وعلينا أن نستفيد من هذا الزّخم بغية تحفيز الإجراءات الجريئة للوقاية من فقدان الغابات وتنوّعها البيولوجي، ووقف هذا الفقدان وعكس مساره وذلك من أجل مصلحة الأجيال الحاليّة والمستقبلية.
إنّ صون الغابات والأشجار واستخدامها المستدام في إطار نهج متكامل للمشاهد الطبيعية، على امتداد السّلسلة الكاملة من الغابات السليمة إلى المزارع الحراجية إلى الأشجار في نظم الحراجة الزراعية والحقول الزراعية والأراضي المتدهورة، أساسي لصون التنوع البيولوجي في العالم والأمن الغذائي ورفاه البشريّة.
لذا من الضروري إدماج وصون التنوع البيولوجي في إدارة الغابات. وتوسيع نطاق الأمثلة الإيجابية العديدة المبيّنة في هذه الوثيقة.
الوقاية من أسباب حرائق الغابات
حسب العديد من الباحثين في المجال البيئي، تؤكّد معظم الهيئات الدولية أنّ 95% من حرائق الغابات تنتج عن نشاطات إنسانية خاطئة سواء كانت بدون قصد أو بهدف إجرامي.
أما الباقي فيحدث نتيجة بعض الظواهر الطبيعية وأهم الظواهر الطبيعية التي تسبّب حرائق الغابات أو تساعد على انتشارها، هي الصواعق أو الانفجارات البركانية ودرجات الحرارة العالية في مواسم الجفاف.
ومّا يزيد من تأثيرها هو ارتباطها بهبوب عواصف، قوية تعمل على انتشار النار بسرعة أكبر، أما الأخطاء البشرية فمتعدّدة ومتنوعة مثل:
* ما ينتج عن ترك المتنزهين الذين يقصدون الغابات للاستجمام لمواقد النار خلفهم دون إطفائها؛
* ومنها ما يقوم به بعض المزارعين من التخلص من مخلّفات مزارعهم عن طريق الحرق؛
* كذلك يلجأ بعض لصوص الأخشاب إلى إشعال النيران في الغابات بهدف الحصول على كميات من الأخشاب التي تبقى بعد إخماد الحريق؛
* بينما يلجأ بعض المزارعين الى حرق مساحات من الغابات بهدف توفير مساحات زراعية إضافية؛
* تشكّل الحوادث المرورية التي تقع على الشوارع التي تمر عبر الغابات، وكذلك رمي بعض السائقين لأعقاب السجائر، أو لأي اجسام مشتعلة أخرى على جنبات الطريق دون اكتراث أسباب أخرى مهمة لاشتعال حرائق الغابات.
تسعى كثير من الدول وبالتعاون مع الأمم المتحدة والهيئات الدولية الى محاربة التعدي المنظم على الغابات، بالإضافة إلى مساعدة الدول النامية والفقيرة في توفير المعدات المناسبة للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها، والحد من انتشارها سريعا في حال نشوبها.
كما يوجد في غالبية الدول المتقدمة وحدات للتدخل السريع حول العالم لمساعدة الدول غير القادرة على مواجهة حرائق الغابات.
وتعتمد الجزائر كباقي دول العالم على فرق إطفاء متخصّصة عالية التدريب، ومجهّزة بأفضل الوسائل التي تمكّنها من مواجهة الحرائق الضخمة دون التعرض للأذى.
ومن أهم أدوات هذه الفرق هي الطائرات المجهّزة بمواد إطفاء للحريق وسيارات الإطفاء ومعدّات الحفر، وإزالة أجزاء من الغابة لضمان عدم انتشار الحرائق إليها، كما يمكن لفرق الإطفاء أن تستعمل المياه ومواد مكافحة النيران، والتي تتكون من أملاح غير سامة تعمل على إيقاف تفاعل النيران مع الخشب والحشائش في الغابات.
أضرار حرائق الغابات
تؤدّي حرائق الغابات إلى تدمير النظام البيئي، وبالتالي المساس بالتنوع البيولوجي في تلك الغابات، وغالبا ما تقضي على كافة أنواع الحياة فيها إما بموت الكائنات الحية أثناء الحريق أو هجرتها للغابة التي لا يتبقّى منها سوى الرماد وبعض الأشجار المتفحّمة.
وهو ما يجعلها غير مناسبة لعيش كثير من أنواع الكائنات الحية، ويمكن تلخيص أضرار حرائق الغابات بما يلي:
* تدمير كميات هائلة من الأخشاب الثقيلة ذات القيمة العالية، والتي تصل أعمارها أحيانا إلى مئات السنين؛
* التّسبّب في خسائر مادية مباشرة للدول التي تحوي تلك الغابات، إذ تشكّل أخشاب الغابات جزءاً مهما من المواد الخام لكثير من الصناعات مثل صناعة الأثاث؛
* التّسبّب في تسريع زحف التصحر نحو المناطق الخضراء، إذ تشكّل الغابات موانع ممتازة لحماية المناطق الخضراء من زحف الكثبان الرملية القادمة من المناطق الجافة، كما تعمل على الحفاظ على التربة وتخصيبها وتمنع تدهور بنيتها، وبذلك تحميها من التصحر؛
* تدمير المناطق السكنية المجاورة أو المتداخلة في الغابات، وتهجير آلاف البشر والتسبب بخسائر في الأرواح، والتي قد تكون كبيرة في بعض الحرائق؛
* تسبّب حرائق الغابات في إنتاج كميات هائلة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة الى كميات أخرى لا تقل ضررا من دقائق الغبار التي تصل الى مناطق تبعد مئات الأميال على منطقة الحريق، ويمكن أن تسبب مشاكل صحية وبيئية؛
* نظرا لكميات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تطلقها، فإن حرائق الغابات تعد أحد العوامل التي تساهم في تصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري؛
* المساس في حق الأجيال الحالية والمستقبلية في الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية والتمتع بحياة عالية ونظيفة، أي المساس في استدامة البيئة الطبيعية وميزاتها الحقيقية.
الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة
حسب موقع المنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “FAO”، يتجلى هدف إدارة الغابات على نحو مستدام في مكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي، فالنظم الإيكولوجية الصحية تحمي الكوكب وتؤمّن سبل العيش، وتوفر الغابات، الأراضي الرطبة، الجبال والأراضي الجافة على وجه الخصوص.
فهناك عدد لا يحصى من السلع والخدمات البيئية كالهواء النقي والمياه النظيفة، وحفظ التنوع البيولوجي، والتخفيف من آثار تغير المناخ.
فتغذي الغابات والمراعي مجموعة من الصناعات، وتولد فرص العمل والدخل، وتعمل كمصدر للغذاء، الدواء والوقود لأكثر من مليار شخص، إلا أن الموارد الطبيعية آخذة في التدهور اليوم.
وتعاني النظم الإيكولوجية من الإجهاد، بينما يُفقد التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، وتؤدي التغيرات في استخدام الأراضي، بما في ذلك إزالة الغابات إلى فقدان موائل قيمة، ونقص في المياه النظيفة، وتدهور الأراضي وانجراف التربة، وإطلاق الكربون في الغلاف الجوي.
وعليه يُسهم ذلك في فقدان الأصول الاقتصادية القيمة وفرص كسب العيش، وعلى ذلك الأساس كان التحدي في الجزائر باستصلاح 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة في آفاق عام 2030.
وفي باب آخر تروّج منظمة “الفاو” للنهج المستدامة في إدارة الموارد الطبيعية، وتتيح تقارير التقييم التي تصدرها المنظمة، مثل التقارير المتعلقة بالتربة، والغابات، وتدهور الأراضي، أساسا لاتخاذ القرارات القائمة على الأدلة، وتدعم تحالفات أصحاب المصلحة المتعددين نُهج الإدارة الشاملة التي تعزز التوازن بين الحفظ والعمل الإنمائي.
مؤشّرات قياسية تخدم القضية الغابية
تعتبر هذه المؤشرات كمعلم ولوحة تحكّم تسمح بتسطير مختلف الاستراتيجيات ذات الصّلة، حيث يرتكز نجاح أهداف التنمية المستدامة إلى حد كبير على عمليات الرصد والاستعراض والمتابعة الفعّالة، وتشكّل مؤشرات أهداف التنمية المستدامة الأساس لهذا الإطار العالمي الجديد للمساءلة المتبادلة.
وكمثال على منظمة الأغذية والزراعة تعتبر الوكالة التابعة للأمم المتحدة “المؤتمنة” على 21 مؤشرًا، وعلى أهداف التنمية المستدامة 2 و5 و6 و12 و14 و15.
ومثال على ذلك مؤشر مساحة الغابات كنسبة من إجمالي مساحة اليابسة، إذْ يقيس هذا المؤشر نسبة مساحة الأرض في العالم المغطاة بالغابات.
ويتم التعبير عنها كنسبة مئوية، وتعكس التغييرات في مساحة الغابات التغيرات في الطلب على الأراضي لاستخدامات أخرى.
وقد تساعد في تحديد الممارسات غير المستدامة في قطاعي الغابات والزراعة، وسيقيس المؤشر التقدم المحرز نحو الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة.
فحسب المخطط البياني المعطى حسب موقع منظمة “الفاو”، تغطّي الغابات حوالي 4 مليارات هكتار أو 30.7 في المائة من مساحة الأرض في العالم، منها 93 في المائة (أو 3.7 مليار هكتار) غابات طبيعية.
في حين أن 7 في المائة (291 مليون هكتار) مزروعة، بالرغم من الانخفاض في مساحة الغابات على مدى العقود الماضية، فقد انخفض معدل فقدان الغابات بنسبة 25 في المائة منذ الفترة 2000-2005.
ويهدّد استمرار فقدان الغابات مجموعة واسعة من السلع والخدمات المهمة لرفاه الإنسان، مثل زيادة خطر الفيضانات والجفاف والحصول على المياه النقية، كما أنه يمثل تهديدًا لتنوع النظم الإيكولوجية للغابات، حيث أنّ معظم الخسائر تحدث في الغابات المدارية التي تستضيف ثلثي الأنواع الأرضية على الأقل.
علاوة على ذلك، فإن وقف إزالة الغابات يسهم في الحد من آثار تغير المناخ، حيث تمتص الغابات ثاني أكسيد الكربون من الجو وتخزينه ككتلة حيوية.
بالإضافة كذلك إلى مؤشر الغطاء الأخضر الجبلي، والذي يقيس مؤشر الغطاء الأخضر الجبلي التغيرات في مجال النباتات الخضراء في المناطق الجبلية (الغابات والشجيرات وأراضي المراعي والأراضي الزراعية).
ستساعد هذه المعلومات في تحديد حالة الحفاظ على البيئات الجبلية من أجل قياس التقدم نحو الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة، أي ضمان حفظ النظم الإيكولوجية الجبلية، بما في ذلك تنوعها البيولوجي، من أجل تعزيز قدرتها على توفير المنافع التي لا غنى عنها لتحقيق التنمية المستدامة، بحلول عام 2030، كما أشرت أعلاه.
تقييم جديد للأشجار والغابات في الأراضي الجافّة حول العالم
هو تقرير يتضمّن الكثير من البيانات حول استخدام الأراضي والغطاء الحرجي على الصعيدين العالمي والإقليمي، وفاء من “الفاو” بوعدها بتقديم “منتج جماعي” بشأن حالة الأراضي الجافة في جميع أنحاء العالم.
ويعد هذا التقييم استكمالاً للتقييمات العالمية لحالة الموارد الحرجية التي أجرتها المنظمة، لكنه يختلف في أن بياناته الأولية يتم تطويرها من خلال التفسير البصري لصور الأقمار الصناعية المتوفرة مجاناً في جهد جماعي عالمي.
وتعليقا على هذا الموضوع، يقول المدير العام المساعد لقطاع الغابات في “الفاو”: “إن فهم حالة غابات الأراضي الجافة وتغيراتها وغطاء الأشجار واستخدام الأراضي أمر ضروري لتقييم أثر تغير المناخ والأنشطة البشرية، ونتائج تدابير التكيف والتخفيف والتقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف الإقليمية للتعادل في تدهور الأراض”.
واستند التقرير الجديد إلى تحليلات أكثر من 200 خبير وسلسلة من ورش العمل الإقليمية بالتعاون مع شركاء من الجامعات ومعاهد البحوث والحكومات والمنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء العالم، ويستفيد التقرير من معلومات مستمدة من عينة من 213,782 قطعة أرض تبلغ مساحة كل منها حوالي نصف هكتار.
فتفسير صور الاستشعار عن بُعد عالية الدقة المعروضة في التقييم يمكن أن تساعد صانعي السياسات على تحديد استراتيجيات الاستثمار المثلى لمكافحة تدهور الأراضي والتصحر، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ودعم سبل العيش، والمساعدة في زيادة قدرة الأراضي والمجتمعات على الصمود، ولا سيما في مواجهة تغير المناخي.
فحسب تقييم “الفاو”، تغطّي الأراضي الجافة التي تضم مناطق شديدة الجفاف والقاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، حوالي 6.1 مليار هكتار، أو 41 بالمائة من مساحة اليابسة على سطح الأرض.
ومن هذه الأراضي، تشكل الغابات حوالي 1.1 مليار هكتار (18 بالمائة)، وتعد الأراضي الجافة موطناً لحوالي ملياري شخص ونصف الماشية في العالم، وأكثر من ثلث النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي العالمي.
وتوفر نقاط هجرة حرجة للطيور، أنظمتها الإيكولوجية معرضة لنقص المياه والجفاف والتصحر وتدهور الأراضي وآثار تغير المناخ، ومن المتوقع أن تتوسّع رقعة الأراضي الجافة في العالم بنسبة تتراوح بين 10 و23 بالمائة بنهاية القرن الحادي والعشرين.
مّا يشكّل تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي وسبل العيش ورفاهية الإنسان.
وعلى الصعيد العالمي، تشكّل الغابات حوالي 18 بالمائة من الأراضي الجافة، يمتلك ما يزيد قليلاً عن نصفها كثافة شجرية أعلى من 70 بالمائة.
بينما تشكل الأراضي القاحلة 28 بالمائة، والأراضي العشبية 25 بالمائة، والأراضي الزراعية 14 بالمائة، وتوجد الأشجار أيضاً في الأراضي الجافة خارج الغابات، ولا سيما في آسيا وأوروبا، وإجمالاً توجد الأشجار في حوالي 2 مليار هكتار من الأراضي الجافة.
كما أصدرت “الفاو” عدداً جديداً من تقاريرها يبحث في دور الغابات باعتبارها حلولاً طبيعية لإدارة المياه، وتتمثل الرسالة الرئيسية في أن مجمعات المياه الحرجية توفر ما يقدر بنحو 75 بالمائة من موارد المياه العذبة التي يمكن الوصول إليها في العالم.
وبالتالي فهي تشكّل بنية تحتية طبيعية حيوية وقليلة التكلفة لإنتاج مياه عالية الجودة – بما في ذلك للمدن – لأكثر من نصف سكان العالم، وستزداد أهمية إدارة الغابات للمياه أكثر في مواجهة تغير المناخ.
أحدث إصدار لمنظمّة “الفاو”
يتناول هذا التقرير حالة الغابات في العالم ومساهمات الغابات والسكّان، الذين يستعملونها ويديرونها في الحفاظ على التنوع البيولوجي، واستعماله بصورة مستدامة، ويُجري تقييمًا للتقدّم المحرز حتى الآن في تحقيق الأهداف والمقاصد العالميّة المتصلة بالتنوع البيولوجي الحرجي.
ويصف فعاليّة السياسات والإجراءات والنُهج في مجالي الحفظ والتنمية المستدامة على السواء، عن طريق سلسلة من دراسات الحالة عن الممارسات الابتكارية.
ولا يهدف هذا الإصدار من التقرير إلى أن يكون بحثًا شامل ًعن التنوع البيولوجي الحرجي، بل يسعى بالأحرى إلى تقديم معلومات مستجدّة عن حالته الراهنة وموجز عن أهميته بالنسبة إلى البشرية جمعاء.
ويرُاد منه أن يُكمل تقرير حالة التنوّع البيولوجي للأغذية والزراعة في العالم، الذي أصدرته هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في عام 2019.
وتقرير التقييم العالمي بشأن التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي، الذي صدر العام الماضي عن المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي، والتوقعات العالمية للتنوع البيولوجي.
وهذا الإصدار “حالة الغابات في العالم” هو للمرة الأولى ثمرة جهد مشترك بين جهازين تابعين للأمم المتحدة هما منظمة الأغذية والزراعة FAO وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة PNUE، واستنادًا إلى تعاونهم القائم والمزايا النسبيّة الخاصة بهما، تم الجمع بين المعلومات الجديدة المنبثقة عن تقييم الموارد الحرجية في العالم لعام 2020، والتحليلات عن حالة ومدى تمثيل الغابات المحميّة مع مرور الوقت، وهي تحليلات أجراها المركز العالمي لرصد حفظ الطبيعة التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
كما يؤكّد ذات التقرير حول الحاجة إلى إصلاح الغابات على نطاق واسع من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة والوقاية من فقدان التنوع البيولوجي ووقف هذا الفقدان وعكس مساره.
ويشير التقرير إلى تقديم 61 بلدًا سوية تعهدًا بإعادة تأهيل 170 مليون هكتار من الأراضي الحرجيّة المتدهورة، وتساعد إعادة تأهيل الغابات، عند تنفيذها على النحو المناسب على إعادة الموائل والنظم الإيكولوجيّة وتهيئة الوظائف وزيادة الدخل، وهي حلّ فعّال لتغيّر المناخ يقوم على الطبيعة.
ويشير ذات التقرير على برنامج الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجيّة للفترة 2021-2030، في مارس 2019، عن أهداف ترمي إلى تسريع عجلة أعمال إصلاح النظام الإيكولوجي على الصعيد العالمي.
ويؤكّد ذات التقرير على مفهوم التنوع البيولوجي الحرجي، والذي ينتج عن العمليات الارتقائية التي استمرت على مدى آلاف بل ملايين السنين، والتي تسبّبها قوى إيكولوجية كالمناخ والنار والتنافس والاضطرابات.
بالإضافة الى ذلك يؤدي تنوع النظم الإيكولوجية الحرجية (خصائصها الفيزيائية والبيولوجية) إلى مستويات مرتفعة من التكيّف، وتمثل هذه الخصائص إحدى المكونات التي لا تتجزأ من التنوع البيولوجي، ومن النظم الإيكولوجية الحرجية المحددة، تعتمد صيانة العمليات الإيكولوجية على الحفاظ على التنوع البيولوجي.
فالتنوع البيولوجي الحرجي مصطلح واسع يُعنى بكافة أشكال الحياة الموجودة في المناطق الحرجية وما تضطلع به هذه الأشكال من أدوار إيكولوجية، وبالتالي لا يُعنى التنوع البيولوجي الحرجي بالأشجار فحسب، بل يضم أعدادًا كبيرة من النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في الغابات، إضافة إلى التنوع الوراثي المرتبط بها.
تعميم التّنوّع البيولوجي في الزّراعة
تبرز مجموعة من المسارات التي تجعل النظم الزراعية والغذائية أكثر استدامة عبر نُهج متكاملة، بما في ذلك إدماج التنوع البيولوجي.
وقد أطلقت منظمة الأغذية والزراعة مؤخرًا رؤية ونهجًا جديدة نحو تعزيز الأغذية والزراعة المستدامة، يتطلبان أن تؤخذ في الحسبان صراحة سياسات وأدوات مشتركة بين القطاعات مثلاً، المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والحراجة (ومتعددة الأهداف) مثل، اقتصادية واجتماعية وبيئية، وتحديد أوجه التآزر الممكنة، فضلا عن تحقيق مقايضات متوازنة فيما بينها (منظمة الأغذية والزراعة، 2019)، وهناك في صميم هذا النهج خمسة مبادئ صادقت عليها الدول الأعضاء في عام 2016:
* تحسين كفاءة الموارد المستخدمة في الأغذية والزراعة؛
* اتخاذ إجراءات مباشرة لصون الموارد الطبيعية وحمايتها وتعزيزها؛
* حماية وتحسين سبل العيش الريفية والإنصاف والرفاه الاجتماعي؛
* تعزيز قدرة السكان والمجتمعات المحلية والنظم الإيكولوجية على الصمود؛
* إيجاد آليات مسؤولة وفعّالة للحوكمة.
مدن الأشجار في العالم Tree Cities of the World
يُشير ذات التقرير أعلاه على مبادرة مدن الأشجار في العالم وهو جهد دولي، تروج له منظمة الأغذية والزراعة ومؤسسة Arbor Day في الولايات المتحدة الأمريكية، للتنويه بالمدن والبلدات الملتزمة بالحفاظ على غاباتها وأشجارها وإدارتها على نحو مستدام والاحتفاء بها، وللحصول على التنويه، يتعين أن تستوفي المدينة أو البلدة خمسة معايير أساسية:
- تحديد الصلاحيات: أن يكون لدى المجتمع المحلي بيان خطي من مسؤولي المدينة يفوّض مسؤولية رعاية الأشجار ضمن حدود البلدية إلى موظف أو إدارة من إدارات المدينة أو مجموعة من المواطنين (مجلس معني بالأشجار)؛
- وضع القواعد: أن يتبنّى المجتمع المحلي لإدارة الأشجار والغابات الحضرية سياسات أو ممارسات فضلى أو معايير متعارف عليها تصف كيفية أداء العمل، وأين ومتى تنطبق القواعد والعقوبات في حالات عد م الامتثال؛
- تعرّف على ما لديك: أن يكون لدى المجتمع المحلي جرد أو تقييم محدّث لموارد الأشجار المحلية، ما يجعل بالإمكان وضع خطة فعّالة طويلة الأجل خاصة بالأشجار في المدينة ورعايتها وإزالته؛
- تخصيص الموارد: أن يكون لدى المجتمع المحلي ميزانية سنوية مخصصة للتنفيذ الروتيني لخطة إدارة الأشجار؛
- الاحتفال بالإنجازات: أن يقيم المجتمع المحلي احتفالًا سنويا يحتفي بالأشجار لتوعية السكان، والإعراب عن التقدير للمواطنين والموظفين الذين ينفّذون برنامج أشجار المدينة.
الاستراتيجيّة العامّة لقطاع الغابات في سياق التّنمية المستدامة بالجزائر
تعتبر الجزائر الغابة هي مكسب للمجتمع الوطني، وتولي لها اهتمام كبير فهي من أولويات الشأن العام، حيث تعمل الجزائر على ضمان الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة، أي ضرورة استدامتها ودون المساس بميزاتها الطبيعية.
ففي فبراير 2019 عقد الاجتماع الجهوي الثاني برئاسة المدير العام للغابات بعنوان “الاستراتيجية العامة لقطاع الغابات في سياق التنمية المستدامة“، والهدف من هذا الاجتماع هو عرض ومناقشة النتائج، وتأثير البرامج التي يقودها قطاع الغابات، والآفاق المستقبلية على إدارة الغابات، ومكافحة التصحر، وحماية الحياة البرية، والنباتات وأنشطة الصيد وخطة حرائق الغابات وإدارة الموارد البشرية والوسائل المادية والقيود الإدارية والتنظيم والاتصالات، ومساهمة التعاون الدولي في الدعم المالي والتقني للمشاريع.
إذْ يقع قطاع الغابات والنظم الإيكولوجية الطبيعية في صميم أولويات العالم، بحيث يُشكل صونها وإدارتها المستدامة أولوية في جميع أنحاء العالم تدعمها اتفاقيات وعقود دولية بشأن الموضوع الذي صدقت عليه بلادنا (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، اتفاقية التنوع البيولوجي…).
وعليه يلعب هذا القطاع دورًا مهمًا في الحفاظ على التراث الطبيعي والتنمية الاقتصادية وإدارته المستدامة، فحسب الموقع الرسمي لوزارة الفلاحة، التنمية الريفية والصيد البحري، أن المديرية العامة للغابات اتخذت العديد من الإجراءات الإنمائية للتخفيف من التأثير على الموارد الطبيعية، وعلى نفس المنوال، التعامل مع تغير المناخ من خلال:
- إعادة تأهيل التراث الغابي وحمايته؛
- تطوير وحماية واستعادة وتعزيز مناطق شبه الصحراوية والجبال والسهوب؛
- حفظ وتعزيز الحيوانات والنباتات ومواطنها الطبيعية؛
- تطوير وتعزيز المواد والخدمات التي تقدمها النظم الإيكولوجية للغابات وغيرها من المناطق الحراجية.
وعلى ذلك الأساس وضع قطاع الغابات في الجزائر، استراتيجية تهدف إلى تلبية الاحتياجات الاجتماعية الاقتصادية والبيئية للبلاد، وخلق فرص عملمع المساعدة في تحسين مرونة البيئة الطبيعية مع تغير المناخ، إذْ حسب ذات المديرية يلعب قطاع الغابات دوراً هاماً في المساهمة بالانتعاش الاقتصادي الوطني من خلال الحفظ والاستعادة والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وتحسين الأمن الغذائي في البلاد.
حملة وطنية للتّشجير تحت شعار “شجرة لكل مواطن“
تعكف الجزائر بتمويل العديد من برامج إعادة التشجير منذ عام 1962، حيث تمت زراعة أكثر من ملياري (02 مليار) شتلة، ففي 2019 بادرت الجزائر من خلال وزارة الفلاحة والتنمية الريفيةوالصيد البحري، بإطلاق حملة وطنية للتشجير تحت شعار “شجرة لكل مواطن“، بهدف توعية وتحسيس السكان بتبعات تدهور الثروة الغابية.
تهدف المبادرة إلى تحويل الأراضي المتدهورة، والتي تعرضت لفقدان غطائها النباتي إلى نظم بيئية مرنة ومتعددة الوظائف من شأنها المساهمة في الاقتصادات المحلية والوطنية، وامتصاص كميات كبيرة من الكربون، وحماية الأرض من التعرية بفعل المياه والرياح، والحفاظ على التنوع البيولوجي وتحسين البيئة المعيشية للمواطنين، وبالتالي تتجلى هذه المبادرة في الجزائر إلى أربعة محاور:
- استعادة المنظر والشكل الطبيعي للغابات المتضرّرة من الحرائق؛
- استصلاح الأراضي في محيط السد الأخضر؛
- حماية المدن والبنى التحتية من الترسبات الرملية والطمي بولايات الجنوب؛
- تحسين البيئة المعيشية للبلديات والمؤسسات العمومية.
وحسب موقع وزارة الفلاحة، فقد تشمل العملية زراعة 43 مليون شتيلة خلال حملتين، منها 25 شتيلة خلال حملة 2019-2020 و18 مليون شتيلة خلال حملة 2020-2021، إذْ بالنسبة لحملة 2019-2020 تم تقدير الاحتياجات الخاصة بالمحاور الثلاثة الأولى بـ 17 مليون شتلة.
في حين أن التوافر لا يغطي سوى 12,7 مليون شتيلة مقارنة بالأصناف المطلوبة، لهذا الغرضسيتم توجيه الأصناف الأخرى المنتجة والمقدرة بـ 12,3 مليون شتيلة إلى المناطق الحضرية وشبه الحضرية.
كما تتم عملية انتقاء الأنواع النباتية للغرستحت اشراف محافظات الغابات بالتعاون معمديري البيئة؛ المعهد الوطني للأبحاث الغابية (INRF)؛ المحافظة السامية لتطوير السهوب (HCDS)؛ محافظة تنمية الفلاحة في المناطق الصحراوية (CDARS)؛ المؤسسات المسؤولة عن المساحات الخضراء على المستوى المحلي.
مبادرة التّشجير لوزارة الموارد المائية
تمّ تسجيل مؤخّرًا مبادرة تضامنيّة من أجل تعزيز النّسيج الغابي في الوطن، تحتاشراف وزارة الموارد المائية في نوفمبر 2020، إذْ تمّ إطلاق عملية تشجير واسعة من ضفاف وادي الحراش على أن يستمر التشجير ليبلغ كل ربوع الوطن، حيث تمّ تثمين هذه المبادرة في كثير من المواقع الالكترونية والذين أشاروا بمشاركة 100 ألف عامل بقطاع الموارد المائية سواء على مستوى الإدارة المركزية والإدارات المحلية؛ والمؤسسات تحت وصايتها، وهي مبادرة تأتي في صميم الحفاظ على المحيط البيئي واستدامتها.
السّد الأخضر..بصمة بيئية رائدة
يُطلق عليه كذلك بالحزام الأخضر، وهو إنجاز تمّ في سبعينيات القرن الماضي بقي رائدًا على مرّ الزمن، ريادةٌ تحمل في طيّها صواعد خيرة الشباب الجزائري من أفراد الخدمة الوطنية، ريادةٌ تكمن في رسالتهم النّبيلة في التّشجير تركت بصمة شامخة للأجيال المستقبلية في الحفاظ على البيئة الطبيعية واستدامتها، ورمزًا لروح التضامن من أجل تعزيز القدرة الإيكولوجية على الصمود أمام التّصحر، ولصون الموارد الطبيعية وحمايتها والإبقاء على ميزاتها وخصائصها وتعزيزها، فمثل هذه السّنن الحميدة من شأنها أن تعزّز مختلف المبادرات من ورشات التشجير وتوسيعها، من شتى القطاعات والنّخب الوطنيّة من الطاقات الجزائريّة العالية الكفاءة والهمّة، كما تمّ رصده آنفًا.
عطاء بيئتنا المُغدق، حرائقها وضع مُقلق، استراتيجية استدامتها لمستقبل مُشرق
قد يظهر من عنوان هذه الفقرة الأخيرة شيء من التنميق والمحسنات البديعية فلست بشاعر، ولكن أخذني جيشان الشّعور الذي قد يكون في كاريزمية الشاعر ذاته، من أجل تلك الأبيات الموزونة وبقافيتها المقصودة من أجل الإيحاء بأحاسيسه المُؤثّرة، فالحسّ البيئي يدفعنا للنهوض بأفكارنا وببحوثنا وبمصنّفاتنا للدّفاع عنها، من أجل “أُمّنا البيئة الطّبيعيّة“…فحسّي البيئي أعبّره دائمًا بمنظار اقتصادي؛ من باب وجدان التكوين، في إطار نموذج الاقتصاد الأخضر من أجل تحقيق التنمية المستدامة وهو الهدف الذي نصبو إليه.