برز نشاط المجتمع المدني بشكل لافت في فترة تفشي وباء كورونا، وظهر متحرّرا من عباءة الأحزاب السياسية التي ظل لصيقا بها أكثر من عشريتين، جعلته كقاعدة خلفية لها، أو ديكورا تزيّن به قاعات التجمعات الشعبية في المواعيد الانتخابية..
في وقت يمتلك العديد من الأدوار والمهام، عزّزها أسمى قانون تحتكم إليه البلاد في آخر تعديل دستوري صادق عليه الشعب الجزائري يوم 1 نوفمبر 2020، نقله من تابع إلى شريك استشاري ورقابي.
ظلّت جمعيات المجتمع المدني تلعب دور القاعدة الخلفية للأحزاب السياسية لعدة سنوات، بالنظر لأطرها التنظيمية التي مكّنتها من التأسس تحت مسمّى جمعية، وبقيت إلى غاية اللحظة تمارس دور التعبئة السياسية وتعتبر قاعدة خلفية للأحزاب لحشد الجماهير لبرامجها السياسية.
ويرجع الدكتور عبدلي أمقران سبب بقاء المجتمع المدني حبيس الأطر القانونية والتنظيمية والسياسية والولائية التي لا تبشّر بدوره المنوط، رغم أنه يملك حق المبادرات والإبداع فيما يخص التعامل مع متطلبات المجتمع.
ويمكن أن يتطور بفعل تفاعل المجموعات التطوعية وبفضل تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، حتى أنه يوجد جمعيات برزت عن طريق هذه المواقع.
وبرز ت مجموعات وبنيات أخرى مثل لجان الأحياء تمارس دورا محوريا شريطة أن تحظى بنوع من التسيير الجيد والتكوين الجيد، وحتى تتخلص من التبعية وتتطور إلى علاقة إستراتيجية من أجل أن تكون شريكا للدولة في الميدان خدمة للصالح العام والمجتمع.
عوامل مساعدة على إعادة الانتشار
تميز المجتمع المدني في الفترة الأخيرة بنوع من النشاط، بعد أن ظل لسنوات في حالة ركود وتعبئة لخدمة أغراض المنظمات الجماهيرية في الأنظمة الاشتراكية، سابقا، وأدّت المجموعات التطوعية دورا ملحوظا يشهد له.
ويقول الدكتور عبدلي أمقران إن الجمعيات ساهمت ببعض الأنشطة المتعلقة بمتابعة حالة الوباء ثم أنشطة متعلقة بتعبئة الجماهير للتصويت على مشروع تعديل الدستور، وهي متطلّبات سياسية محظى.
وينتظر المجتمع المدني عملا كبيرا في الأزمة الصحية، لأن مجهوداتها لم ترق إلى المستوى المطلوب، وما برز في الميدان نشاط محتشم على قلة المبادرات للمجموعات التطوعية، ولكن كان لها تأثير أيجابي سواء على الشباب داخل المجموعات، أو في التواصل مع المستشفيات وتحفيز طلبة الدكتوراه على مستوى الجامعات.
ولعل العمل الذي قامت به المجموعة التطوعية لولاية باتنة، الذي امتد أثره إلى غاية مخيمات اللاجئين الصحراويين، يبقى الأكثر أثرا، حيث أنتجت وسائل وأرسلتها تطوعا إلى غاية أقصى الجنوب الجزائري.
وتقف عدة عوامل وراء عرقلة تواجد الجمعيات في الميدان منها غياب التكوين المتعلق بتسيير الأزمات.
توجد تكوينات نمطية تشتغل عليها الجمعيات، في حين توجد مجموعة من تكوينات تخص الأزمة تقدم آليات وطرق لتسييرها بداية من الاتصال إلى العمل التطوعي إلى إنتاج المواد الاستعجالية أثناء الأزمات.
ولم يصل المجتمع المدني إلى درجة تكوين أعضاء جمعية قادرين على تسيير المبادرة الاستعجالية التي تخص فترة الأزمة، كما أن تركيبة وبنية الجمعيات الجزائرية من الناحية الاجتماعية والتنظيمية لا يسمح لها أن تؤدي دورها المنوط بها، نظرا للعوامل السالفة الذكر.
علاقة المجتمع المدني بالدولة
يحتاج الأمر والسلطات العمومية ماضية في وضع أسس الجزائر الجديدة، إلى تحديد الدور الحقيقي للمجتمع المدني سواء في علاقته مع المجتمع أو مع الدولة.
ويرى الدكتور عبدلي أنّ في علاقة المجتمع المدني مع الدولة يجب أن يعتبر كشريك للدولة، بعد أن دخل في تجاذب معها نتيجة سلسلة تراكمات السنوات السابقة والوضعية التي كان عليها المجتمع المدني سابقا، تجاذبات مع الدولة كمؤسسات كبرى ترعى مصالح المواطنين والمجتمع.
وفيه تجاذبات حتى على المستوى السياسي والاجتماعي باعتبار وجود مساعي لترويض المجتمع المدني بما يمكنه من تأدية دوره حسب توجهات معينة، وهذا يكسب المجتمع المدني قلة هامش الحرية والحركة والمبادرة.
أما في علاقته بالمجتمع، فالهوّة بدأت تتسع بينهما على اعتبار أن المجتمع المدني لا يؤدي دوره مع متطلبات المجتمع الجزائري، لأن الجمعيات لا تقوم بعمليات مسح للوضع الراهن الاجتماعي، السياسي والثقافي حتى تكون نشاطاتها مواكبة لتطورات ومتطلبات المجتمع الحقيقية.
ثانيا لا تعتمد على عمل جواري حقيقي يسمح لها حتى تستشف هذا الدور، و تتنبّأ بمتطلبات مستقبلية أو الاستشراف.
ثالثا التكوين داخل الجمعيات لا يسمح لها أن تؤدي دورها على أحسن نطاق داخل المجتمع لأن التكوينات نمطية ومستوردة ولا تؤدي دورها.
وينبغي أن تكون لصيقة بالسياق الاجتماعي الثقافي الجغرافي الجزائري، وحتى من يتولى التكوين لم يقوموا بتحليل مسبق للسياق والوقوف على المشاكل والمطالب الاجتماعية.
تعتبر فترة الأزمات، أنسب وقت لبروز وظهور الجمعيات، فهي عامل محفّز للعمل التطوعي والبحث العلمي، والمبادرات يجب أن تكون تطوعية وهذه خاصية من خاصيات التدخل أثناء الأزمات أو الجائحة، فمثلا ساعدت المبادرات التطوعية التي عرفتها الجزائر سنة 2020 في بروز نوع من فهم الجائحة التي تمر بها، وضرورة التماشي مع الأزمة الصحية أو الأزمة الوبائية.
وحتى لو اقتصر دور الجمعيات مثلما ذكر الدكتور عبدلي على توزيع المساعدات والتحسيس في فترة من الفترات، إلا أن المبادرات التطوعية مثل تجربتي باتنة وورقلة كانتا في المستوى من حيث التنظيم والنشاطات الميدانية والتحسيس حتى المشاركة لطلبة في مخابر جامعة باتنة.
وحتى يبقى المجتمع المدني الجزائري فاعلا في الميدان، عليه أن يغير النظرة اليه، ويتحرر من الإعانات المالية وإن كانت بالنسبة للدكتور عبدلي “محفّزة له و تدخل في العلاقة الوطيدة بالدولة”.
ولكن لا ينبغي أن تسمى إعانة، يوجد تقنيات لجعلها مصدرا من مصادر الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، تتخطى حاجز الإعانة وتكرس الإعانة الشراكة لبناء الدولة وتطوير الإطار التنظيمي لهذه العلاقة.
في التجارب المحيطة بنا تسمى الإعانة دعما، وتبقى رمزية بالنظر لخبرة المجتمع المدني وحنكته في الميدان، وهي تعكس نسبة 10 إلى 20 بالمائة من احتياجات الجمعية فيما يخص النشاط أو القيام بمشروع، فالأحسن يجب تنظيم الطلبات، أحسن من تبعية المجتمع المدني لأجهزة أخرى.